+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

المذهب الظاهري وأثره في توجيه الدرس النحوي لدى ابن مضاء القرطبي
*أسماء زيدان

المداخلة :

        اكتسى الدرس النحوي بطابع جديد في عصر الأندلس من طرف ابن مضاء القرطبي الذي اعتبر رائد الحركة التجديدية في النحو العربي في تلك الفترة ، حيث أعاد بلورة الدرس النحوي قصد تيسيره على المتعلم بعيدا عن فلسفة العامل والتعليل والإفراط في القياس والافتراض حيث استقى هذه الآراء التي تصب في بحر المذهب الظاهري الذي يدعو في مجمله إلى الأخذ بظاهر النصوص وسد باب القياس والاستحسان والتعليل وهذا ما سنسعى إلى الكشف عنه من خلال هذه المداخلة الرامية إلى إبراز تجليات المذهب الظاهري في آراء ابن مضاء النحوية  .

الكلمات المفتاحية: المذهب الظاهري، النحو، التيسير النحوي، الدرس اللغوي، القياس الاستحسان والتعليل.

 ابن مضاء القرطبي:

        ازدهر الدرس النحوي في بلاد الأندلس ازدهارا كبيرا حيث لقي اهتماما واسعا من طرف فئة غير قليلة من العلماء ، وقد خصصت له اجتهادات تميزت بطابع الخصوصية والتفرد وقد نال ابن حزم (384-456هــــ) فضل السبق في إعادة تجديد الثقافة الدينية واللغوية من خلال مذهبه “الظاهري” الذي يتميز بشدة تمسكه بظاهر النصوص أولا وأخيرا  وإنكار التقليد وإلغاء القياس في التشريع والذي ما فتىء أن امتدت خيوطه إلى العلوم الأخرى وخاصة الدرس النحوي منها ليكرس الرؤية ذاتها والمنهج نفسه .

       ونلتمس ملامح المذهب الظاهري عند واحد من أهم المدرسة النحوية التجديدية  وهو ابن مضاء القرطبي (ت 592 هـــ) في كتابه الرد على النحاة  إذ وقف موقف الرافض  لأصول النحو ومناهجه التي انساقت مع تأملات واجتهادات تجاوزت ماهو ضروري لانتحاء سمت العرب في الكلام  فتأثر الدرس النحوي بمناقشات المتكلمين وأبحاث الأصوليين فاختلطت فيه الناحية العلمية بالناحية الفلسفية أو ما يعرف ب “فلسفة النحو”.

    وقد عالج ابن مضاء القضايا النحوية في هذا الكتاب بطابع فريد من نوعه محاولا بذلك تقديم تيسيرات في علم النحو والتي من شأنها أن تسهل تعلمه بعيدا عن تلك الأثقال والآراء الفلسفية التي ارتبطت بالدرس النحوي والتي لا تفيد المتعلم في شيء فقال “قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه “[1] متأ ثرا في ذلك بالمذهب الظاهري فذهب إلى إلغاء العلل النحوية والقياس ونظرية العامل موظفا في ذلك مبادىء المذهب الظاهري التي تتجلى في كل آراءه النحوية.

 وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه في هذه المداخلة التي سنحاول فيها الإجابة عن الإشكالات الآتية :  ماهو المذهب الظاهري؟ أين تتجلى ملامح الظاهرية في آراء ابن مضاء النحوية؟

 ابن مضاء القرطبي:

    هو  أحمد بن عبد الرحمان بن محمد بن سعيد بن حريث بن عاصم بن مضاء بن مهند بن عمير اللخمي ينحدر من أسرة اشتهرت بالفروسية والشجاعة .  يكنى بأبي جعفر والقرطبي وابن مضاء نشأ في العاصمة الثقافية للأندلس قرطبة  وهو جياني الأصل قرطبي النشأة ولد سنة 513ه.

     نشأ في  بيت علم ودين ولقن العربية وعلومها على يد أبي بكر سليمان، وأخذ عنه كتاب سيبويه وقد اتسم ابن مضاء بسعة اطلاعه وتنوع معارفه حيث أحاط بكل علوم عصره وارتقى إلى منصب قاضي الجماعة فكان “قديم السماع واسع الرواية عاليها ضابطا لما يحدث به ثقة ذاكرا لمسائل الفقه عارفا بأصوله متقدما في علم الكلام ماهرا في كثير من علوم الأوائل كالطب والحساب والهندسة متوقد الذكاء حافظا للغات بصيرا بالنحو مختارا فيه مجتهدا في أحكام العربية”[2] هذا بالإضافة إلى قوله للشعر  فقال حينما حن إلى قرطبة :

ياليت شعري وليت غير نافعة       من الصبابة هل في العمر تنفيس

متى أرى ناظرا في جفني قرطبة     وقد تغيب عن عينـــــي نـــفيــــــــــــس[3]

اتصف ابن مضاء بالأخلاق الحسنة والعفة والإيمان وقال فيه المراكشي ” كان طيب النفس كريم الأخلاق حسن اللقاء جميل العشرة … عفيف اللسان صادق اللهجة نزيه الهمة كامل المروءة “[4] وقال عنه السيوطي في البغية: “ولي قضاء فاس فأحسن السيرة وعدل فعظم قدره”[5]

        غادر قرطبة في عام (540ه) إلى جبل ” تين ملل” في مراكش فتفرغ للعلم ونشره فالتف حوله طلبة العلم من مختلف الجهات للانتفاع وأخذ العلوم الدينية واللغوية ومن بينهم أبناء الخليفة عبد المؤمن  الذي أخذ العلم عن العديد من المشايخ نذكر منهم : القاضي عياض، ابن سمحون، ابن العربي، ابن الرماك.

 لابن مضاء ثلاثة مؤلفات:

  1. الرد على النحاة
  2. المشرق في النحو
  3. تنزيه القرآن عما يليق بالبيان

ولم يصلنا من هذه المؤلفات إلا الرد على النحاة الذي حققه الدكتور شوقي ضيف.

 المذهب الظاهري وتأثر ابن مضاء به :

      من المعلوم أن المذهب الديني الذي كان شائعا في في منطقة الأندلس هو المذهب المالكي والذي وصل إليها عن طريق عبد الملك بن حبيب السلمي الذي كان مالكيا وقد تفرد المذهب بالأخذ بالقرآن والسنة والحديث دون بحث أو اجتهاد مفرط .

       وتعود جذور المذهب الظاهري إلى داوود بن خلف البغدادي الذي لم يلبث أن خرج عليه وقد قوى دعائمه ووطد أركانه في المنطقة ابن حزم الذي كان “أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم مع معرفة مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر واليسر والجدل والمنطق”[6] فتمثل منهجه في الأخذ بظاهر النصوص “ويكون بذلك قد سد باب الاستنباط بالقياس والتعليل فهو لا يأخذ إلا بالنصوص”[7] وله في ذلك نصوص من القرآن يستدل منها كقوله تعالى: “ما فرطنا من الكتاب في شيء” (سورة الأنعام الآية 38).

      يعتمد منهج ابن حزم الظاهري على النصوص دون سواها لأنها معقولة المعنى في ذاتها دون التفكير في علة مستنبطة ولا يبحث في عللها وأفعال الله لا تعلل ولا يبحث عن علة في النص لأن البحث عن علة النص كالبحث في علة فعله تعالى ويقول ابن حزم في هذا الصدد “إنما علينا طلب أحكام القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ليس الدين في سواهما أصلا ولا معنى لطلبنا :هل أجمع على ذلك الحكم أو أختلف فيه. [8]

        ولهذا السبب نجد أن ابن حزم قد ثار بشدة على علل النحو لأنها ” كلها فاسدة لا يرجع منها شيء إلى الحقيقة البتة وإنما الحق في ذلك أن هذا سمع من أهل اللغة الذين يرجع إليهم في ضبطها ونقلها.”[9]

    ودليله على ذلك أنه يقال لمن قال : إنما سميت الخيل خيلا لأجل الخيلاء التي فيها ، وإنما سميت البازي بازيا لارتفاعه والقارورة قارورة لاستقرار الشيء فيها والخابية خابية لأنها تخبىء مافيها إنه يلزمك في هذا وجهان ضروريان لا انفكاك لك منهما البتة : أحدهما : أن تسمي رأسك خابية لأن دماغك مخبوء فيه وأن تسمي الأرض خابية لأنها تخبىء كل ما فيها.”[10]

       وعليه فإن الظاهرية تقوم على أن المصدر الفقهي هو ظواهر النصوص من الكتاب والسنة فلا رأي ولا إعمال للعقل في حكم من أحكام الشرع وليس في هذا المذهب قياس ولا استحسان ولا ذرائع.

أصول المذهب الظاهري :

1 / القرآن : وهو إما واضح بنفسه كأحكام النكاح والطلاق والمواريث ، وإما يحتاج إلى بيان من السنة كتفصيل المجمل في معنى الصلاة والزكاة والحج فتكون السنة بيانا مصداقا لقوله تعالى: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” فمعاني القرآن قد تكون جلية وقد تكون مخفية فيختلف الناس في فهمها والتعارض بين نصوص القرآن ممتنع .

2/ السنة : وشرطها أن تكون متواترة قطعية الحجة وإما خبر الآحاد وهو يوجب العمل والاعتقاد وأما اجتهاد الصحابي فليس حجة في الدين

3/ الإجماع : اضطربت الظاهرية في هذا الباب فيأخذ بما كان في عهد الصحابة فقط .

4/ الاستصحاب : ويقصد به بقاء الحكم بقاء الحكم المبني على النص إلى أن يأتي دليل نصي يغيره[11]

       ومما لا شك فيه أن تأثر ابن مضاء القرطبي بالظاهرية تجلى في معظم آراءه النحوية ويرى الدكتور بكري عبد الكريم أن ابن مضاء لم يكن متأثرا بهذا المذهب حيث قال: “أنه عندما نقرأ كتاب الرد على النحاة قراءة فاحصة نجد أن ابن مضاء لم يكن مخلصا الإخلاص كله إلى المذهب الظاهري ذلك فإنه وإن ثار على بعض أصول النحو العربي كما ثار الظاهريون على أصول الفقه لم يدع  إلى  إلغاء القياس والعلل  مثلا”[12] إلا أنه لا يخفى على من يروم التنقيب في كتاب الرد على النحاة تأثر ابن مضاء بهذا المذهب وكذلك دعوته إلى  ترك العلل الثواني والثوالث والقياس وإلغاء نظرية العامل والعديد من الآراء النحوية التي نلتمس فيها الكثير من إيحاءات المذهب الظاهري  الذي خرج به عن مألوف أهل العربية

     ومهما يكن من أمر لا نستطيع أن ننفي أن ابن مضاء قد استفاد من أراء الظاهرية في النحو والتي اتخذها سبيلا له لتيسر عملية تعلم النحو وتخفيف أثقاله على المتعلمين  حسب رأيه. ومن القضايا النحوية التي تعرض لها ابن مضاء القرطبي في حملته على النحو المشرقي  في كتاب الرد على النحاة والتي نراه قد تأثر فيها بالمذهب الظاهري:

1ــــ التعليل النحوي

      يظهر تأثر ابن مضاء بالظاهرية في خروجه عما قاله النحاة القدماء إذ العلل عندهم تقسم إلى ثلاثة أقسام علل تعليمية تقوم على التعليل بهدف التعليم بالدرجة الأولى كقولنا “إن زيدا قائم” إن قيل بم نصبتم زيدا قلنا بأن لأنها تنصب الاسم وترفع الخبر أما العلل القياسية فهي أن يسأل سائل عن علة نصب زيد بأن في قولنا “إن زيدا قائم” والجواب في ذلك أن يقال : لأن إن وأخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول فحولت عليه وعملت عمله وأما الجدلية فمثال ذلك أن يقال : فمن أي جهة شابهتموها ؟ أبالماضية أم المستقبلة ؟ أبالماضية أم الحادثة ؟ وهل شبهتموها بما قدم فاعله على مفعوله لأنه هو الأصل ؟

     وكما أسلفنا القول قد استغنى ابن مضاء  عن العلل الثواني والثوالث وأقر العلة الأولى ( التعليمية) لإفادتها وذلك أن العلل الأولى تحصل تمام المعرفة بها بالنطق على سجية العرب أما الثواني والثوالث مستغنى عنها في عملية تعلم النحو بل ضرب من الفلسفة وضرب ابن مضاء العديد من الأدلة على ذلك  حيث قال: “ومما يجب أن يسقط في النحو العلل الثواني والثوالث وذلك من سؤال السائل عن زيد من قولنا: قام زيد لما رفع فيقال: لأنه فاعل وكل فاعل مرفوع . فيقول : ولما رفع الفاعل فيقول فالصواب أن يقال له هكذا نطقت به العرب.”[13]

     ونستشف من قول ابن مضاء أن العلل الثواني والثوالث لا تنفع في شيء ولا يضر متعلم النحو في عدم معرفتها في شيء ” ولو أجبت السائل عن سؤاله ( لم رفع الفاعل ؟) بأن تقول له للفرق بين الفاعل والمفعول فلم يقنعه وقال : فلم لم تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول قلنا له: لأن الفاعل قليل والمفعولات كثيرة فأعطي الأثقل الذي هو الرفع للفاعل وأعطي الأخف الذي هو النصب  للمفعول ليقل في كلامهم ما يستثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون فلا يزيدون ذلك علما بأن الفاعل مرفوع “[14]

  وعليه فإن تأثر ابن مضاء بالحركة الظاهرية واضح في استغناءه عن العلل القياسية والجدلية (الثواني والثوالث)  إلا العلة التعليمية التي أقر بها ودعا إليها.

     2: القياس:

      استفاد ابن مضاء من المنهج الظاهري في قضية القياس التي استمدها من هذه المدرسة التي ترفض القياس جملة وتفصيلا “ويرونه باطلا في استنباط الأحكام كما يأخذونه بحجج العقول ويثبتون أحقيتها إلى إقرار الحقائق ويعتمدون عليها في البيان والإثبات.”[15]

     ويرى ابن مضاء أن القياس قد اكتسب صبغة فلسفية كنتيجة لتأثير الثقافات الأجنبية في الفكر الإسلامي فهو يرفض كل قياس لا يؤديه الاستعمال اللغوي المطرد ولا تدعمه النصوص المتواترة عكس ما فعله النحاة الذين انصرفوا عن الاستعمال السوي للغة ما دامت حركات الإعراب تعود بالدرجة الأولى للمتكلم نفسه لا شيء غيره فلماذ نلجأ إلى هذه الأقيسة البعيدة الشاذة.[16]

        فالأسس التي أقام عليها النحاة نظرتهم إلى القياس غير صحيحة في نظر ابن مضاء لأنها غير مستوفية لشروط القياس وأركانه المقيس عليه وهو المسموع من كلام العرب ويكون إما مطردا في القياس والاستعمال جميعا وإما مطردا في القياس شاذا في الاستعمال أو مطردا في الاستعمال شاذا في القياس أو شاذا في القياس والاستعمال معا، ومن أركان القياس أيضا المقيس الذي يعتبر الركن الثاني في القياس وأهميته تكمن في أن ماقيس على كلام العرب فهو من كلام العرب والركن الثالث في القياس هو الحكم وهو جواز القياس على حكم ثبت عند العرب ولم يتقبل فكرة التشبيه بشيء وعلة حكم الأصل غير موجودة في الفرع ولا يجوز قياس شيء على شيء حكمه معلوم ،إلا أن ابن مضاء لم يتوسع في موضوع القياس وفي مسائله فقد تناوله في بعض المواضع في كتابه، وذلك حين قال في باب التنازع ” فإن قبل النحويون ولم يذكروا في هذا الباب إلا الفاعل والمفعول والمجرور وهنا معمولات كثيرة على مذهبهم كالمصادر والظروف والأحوال والمفعولات أو لا تقاس؟ على قوله: وإلا أظهر القياس شيء من هذا المسموع إلا أن يسمع كما سمع في تلك.”[17] ويتضح من خلال هذا القول أن ابن مضاء يقر القياس بشرط أن يؤديه السماع ويرفضه عندما يختلف عنه.

 ويعترض ابن مضاء مرة أخرى عن القياس وذلك في ذهابهم إلى أن الأسماء غير المنصرفة تشبه الأفعال في أنها فروع كما أن الأفعال فروع بعد الأسماء  فإذا كان في الفعل علتان أو واحدة تقوم مقام علتين منع الإسم من الصرف وقد ذهبوا إلى أن الفعل منع التنوين لثقله وأنه قيل في الاسم لخفته وكثرة استعماله وإنما منعت هذه الأسماء من الصرف لأنها نقلت فمنعت كما منع الفعل من التنوين وصار الجر تبعا له كهذه الأقييسة التي أقامها النحاة[18]  فوجد أن الأسماء هي التي شابهت الأفعال في الإعراب ولم تمنع من الإعراب عكس ما ذهب إليه النحاة الذين يعدونها “أفعالا ضارعت الأسماء فأعطيت الإعراب”[19]

 03:العامل النحوي :

   دعا ابن مضاء القرطبي إلى إلغاء نظرية العامل التي اعتبرت الركن الأساسي الذي بنى عليه النحاة القاعدة النحوية حين لاحظوا أن الكسرة تلحق الكلمة إذا سبقت بحرف من حروف الجر، أو كان ما قبلها مضاف إليها أو كانت تابعة لما هو مجرور وتظل الكسرة ملازمة للكلمة ما دامت في أحد الأوضاع السابقة الذكر فارتضى النحاة بأن الاسم يجر بحرف الجر أو بالمضاف أو بالتبعية واصطلح على تسمية ذلك بالعامل ليحصل التمييز بين ” إلى ” و”إن” و” لم” إذ أن كل حرف من هذه الحروف العوامل يترتب عليه حركة إعرابية معينة للكلمة التي تليه ليغدو العامل في النحو العربي دالة توضح مقاصد العرب في كلامهم ويعصم اللغة من اللحن والانحلال كذلك .

     واعتبر العامل بمثابة الضابط للكلمات حسب ما تمليه معاني الكلام للوصول إلى الحركة المطلوبة والضبط الصحيح للأداء الكلامي . وقد استنبط العلماء لنظرية العامل أصولا وقواعد باعتبارها النواة الأساسية في النحو والتي نلخصها فيما يلي :

1 ــــ الأسماء تحمل على الفعال في العمل لأنها معربة في الأصل ، وإنما عملت بض السماء لأنها شابهت الأفعال والحروف

2 ــ الحروف منها العامل ومنها غير العامل، فالحروف العاملة هي المختصة بالاسم أو بالفعل أو التي حملت على الفعل او غيرها فلا عمل لها

3ـــ كل جماعة في العوامل تشابهت في العمل تكون أسرة واحدة كباب (إن ) وباب (كان) .

4 ـــ إن طلب عاملان معمولان لا واحد كان لأحدهما العمل في اللغة و للآخر العمل في المعنى كما هو الحال في باب التنازع .

5 ـــ ثمة عوامل واجبة الحذف ن ويستدل عليها غما بدليل لفظي كما في أن الناصبة للفعل المضارع ن وفاء السببية ، وأما بقرينة معنوية مثل المفعول .[20]

  وقسم النحاة العوامل على قسمين :

  1 ـــ العوامل اللفظية : وهي تضم الأفعال التي تعد الأصل في العمل ن والحروف والأسماء

2ـــــ  العوامل المعنوية : وهي تضم:

أــــ  العامل في المبتدأ والخبر وهو الابتداء

ب ـــ العامل في المضارع المرفوع وهو وقوعه موقع الاسم أو تجرده من الناصب والجازم.[21]

          وقد نشب خلاف بين مدرسة البصرة والكوفة حول وظيفة العامل وما يترتب عنها من مسائل عند التطبيق تمثلت في أن الكوفيين رفضوا العوامل المعنوية كما ذهبوا إلى أن العمل في  نصب المفعول هو الفعل والفاعل معا وذهبوا كذلك إلى أن ما الحجازية لا تعمل في الخبر وإنما هو منصوب بحذف حرف الخافض وذهب البصريون إلى أن ما تنصب الخبر و ذلك أنها أشبهت ليس[22] بالإضافة إلى العديد من الخلافات التي لا يسعنا المقام لذكرها .

          وكما سبق الذكر قد وقف ابن مضاء على نظرية العامل النحوي وقفة ظاهرية يسهل ربطها بمذهب ابن حزم  الثائر الرافض لها حيث  قال ابن مضاء “قصدي في هذا الكتاب أن احذف من النحو ما يستغنى النحوي عنه وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه … ومن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي وبعامل معنوي وعبروا بذلك بعبارات توهم في قولنا “ضرب زيد عمرا” أن الرفع الذي في زيد والنصب الذي في عمر أحدثه ضرب”[23] فاتهم ابن مضاء النحاة بالخروج عن منطق العقل وذلك أن العامل النحوي ليس له وجود ولا يقول به عاقل “وأما القول بأن الألفاظ يحدث بعضها بعضا فباطل عقلا وشرعا ولا يقول به أحد من العقلاء لمعان يطول ذكرها فيما القصد إيجازه منها أن شرط الفاعل أن يكون موجودا حينما يفعل فعله ولا يحدث الإعراب فيما يحدثه فيه إلا بعد عدم الفاعل فلا ينصب “زيد” بعد ” أن” في قولنا ” أن زيدا” إلا بعد عمل  إن … أما أن يفعل بإرادة كالحيوان وأما أن يفعل بالطبع كما تحرق النار، وتبرد النار ولا فاعل إلا الله عند أهل الحق… وأما العوامل النحوية فلم يقل بها عاقل لا ألفاظها ولا معانيها لأنها لا تفعل بإرادة ولا بطبع.”[24] ويتضح من هذا القول أن العوامل عند ابن مضاء غير ثابتة تحضر وتغيب وتتغير من حال إلى حال .

    هذا ويعترض هذا الأخير على تقدير  العوامل المحذوفة وعلى تقدير متعلقات المجرورات وعلى تقدير الضمائر المستترة والأفعال بالإضافة إلى اعتراضه على آراء النحاة في التنازع والاشتغال وفاء السببية وواو المعية.

4ـــــ الحركة الإعرابية :

         نوه ابن مضاء بالحركة الإعرابية وما لها من دور وفضل في إبراز المعنى المراد من الكلام  التي تعتبر أداة للكشف عن المعاني الوظيفية في الجملة كالفاعلية والمفعولية والتي تشكل بدورها جملة ثم نصا متماسكا يتماشى مع متطلبات الأحوال السياقية لأن عملية نظم الكلام تتطلب بالضرورة احترام المعاني النحوية والإعرابية[25] لتجد الحركة الإعرابية نفسها أمام مسؤولية أداء المعاني المقصودة من طرف المتكلم

           ولعل  الهدف الأساس من وراء  اهتمام ابن مضاء بذلك هو الدعوة إلى إلغاء نظرية العامل والأقييسة  مشيرا إلى أن  الحركة الإعرابية ما يفعله المتكلم ، وأنها الأصل ولا علاقة لها بما يسمى العامل ويستدل على ذلك إلى رأي  ابن جني الذي نسب الإعراب إلى المتكلم وليس إلى العوامل المحذوفة أو الظاهرة فقال ” أما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو المتكلم نفسه لا لشيء غيره”[26] فابن مضاء يعترض الضمائر المحذوفة التي يفسر بها النحاة حركة الكلمات فهو يدعو إلى تناول النص تناولا شكليا يقتصر على ظاهر الكلمة بعيدا عن تقدير العوامل اللفظية أو المعنوية أو التأويل أو التعليل إذ يقول ” والنحويون يفرقون بين الإضمار والحذف ويقولون : إن الفاعل يضمر ولا يحذف فإن كانوا يعنون بالمضمر ما لا بد منه وبالمحذوف ما قد يستغنى عنه فهم يقولون : هذا انتصب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره والفعل الذي بهذه الصفة لا بد منه  ولا يتم الكلام إلا به وهو الناصب … وإن كانوا يعنون بالمضمر السماء ويعنون بالمحذوف الأفعال ، ولا يقع الحذف غلا في الأفعال ، أو الجمل لا في الأسماء فهم يقولون في قولنا : ” الذي ضربت زيدا ” إن المفعول محذوف تقديره ضربته فإن الفرق بينهما بما هو مقطوع بأن المتكلم أراد فهو فرق لكن إطلاق النحويين لهذين اللفظين لا يأتي موافقا لهذا الفرق . والذي يجب أن يعتقد في مثل : زيد قائم، أنه يجوز ان يريد المتكلم ويجوز أن يكتفي يما تقدم والأظهر أن يكتفي بما تقدم”  ويظهر من خلال ما سبق وفاء ابن مضاء للمنهج الظاهري في أهم مبادئه المتجلي في التزامه بحرفية النص دون تجاوزه في شيء.

الخاتمة :

      وفي الأخير نخلص إلى أن ابن مضاء استفاد من المذهب الظاهري الذي تبناه ابن حزم، والذي سد مسد الاستنباط بالقياس والاستحسان فهو لا يأخذ إلا بالنصوص.

     ويظهر تأثر ابن مضاء القرطبي بذلك المذهب جليا في آراءه النحوية في كتابه “الرد على النحاة ” بغية تسهيل عملية تعلم النحو والابتعاد عن الآراء الفلسفية التي اجتاحت الدرس النحوي .

     تطرق ابن مضاء القرطبي في كتابه إلى العديد من القضايا التي نلتمس فيها مبادئ الظاهرية وذلك حين ألغى العلل الثواني والثوالث ورفض القياس وشن حربا حامية الوطيس على نظرية العامل التي تثقل الدرس النحوي على متعلميه .بعيدا عن فلسفة العامل النحوي والإفراط في القياس والافتراض.

الهوامش:

[1]  ابن مضاء القرطبي ، الرد على النحاة ، تح : شوقي ضيف ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1947، ص 85.

[2]  أبو عبد الله المراكشي ، الذيل والتكملة ، تح : محمد ابن شريفة ، القسم الأول ن دار الثقافة ، بيروت ، دت ، ج1 ، ص 223.

[3]  المصدر نفسه ،ص 223.

[4]  المصدر نفسه ،ص 218.

[5]  السيوطي ، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف ، القاهرة ، 1964، ص 324.

[6]  المقري ، نفح الطيب ، تح : محي الدين عبد الحميد ، ج2 دار الكتاب العربي ، لبنان ، دت ، ص 283.

[7]  الإمام أبو زهرة ، ابن حزم ، دار الفكر العربي ، بيروت ، 1977، ص 421.

[8]  المصدر نفسه ص 259.

[9]  المصدر نفسه ، ص 432.

[10]  ينظر :  عبد اللطيف شرارة ، ابن حزم  رائد الفكر العربي ، بيروت ، دت ، دط، ص 124.

[11]  http// arabic islamic web.com

[12]  بكري عبد الكريم ن ابن مضاء وموقفه من أصول النحو العربي ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 1984، ص 37.

[13]  ابن مضاء القرطبي ، الرد على النحاة ، ص 101.

[14]  المصدر نفسه ، ص 102

[15]  عبد اللطيف شرارة ن ابن حزم رائد الفكر العربي ، ص 73.

[16]   ابن مضاء القرطبي ، الرد على النحاة ، ص 87.

[17]  المصدر نفسه ، ص 159.

[18]   المصدر نفسه ص 109.

[19]  ينظر: أبو إسحاق الزجاج ، ما ينصرف وما لا ينصرف ، تح : هدى محمود قراعة  ،القاهرة ، 1971، دط ، ص4

[20]  بكري عبد الكريم ، ابن مضاء وموقفه من أصول النحو العربي ، ص109

[21]  م ن ، ص 110.

[22]  ينظر: ابن الأنباري ، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ، تح : محي الدين عبد الحميد ، القاهرة ، 1961، ص 78.

[23]   ابن مضاء القرطبي ، الرد على النحاة ، ص 87.

[24]  المصدر نفسه ، ص 87

[25]  ينظر: عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، تح : محمود محمد شاكر ، دار المدني ، القاهرة ، 1992،ط3نص93

[26]  ابن مضاء القرطبي ، الرد على النحاة ، ص 87.

*أستاذة وباحثة دكتوراه، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، الجزائر

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of