+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

عوالم إبداعية: فن القصة القصيرة
*وفاء عبد الرزاق

ما معنى الخوض في فن القصة، بعوالمها المتعددة ومسمياتها وأساليبها. فلدينا القصة القصيرة، القصيرة جدا، القصة الومضة، القصة الشعرية، أو القصة الشاعرة.

الكتابة متعة ما بعدها متعة، وصناعة، وخيال، وموهبة، وثقافة شاملة، بتاريخ الكتابة، وكتَّاب القصة القصيرة، والتقرب منهم، اكتشاف فنَّية السرد لديهم ، ومقارنة أساليبهم مع بعضهم، لنصل إلى زمن الكاتب، نفسيته، دراسته، واقعه الثقافي الذي ينتمي إليه، أو التيار السياسي، إذا وجد طبعا، وتأثر كل تلك الانتماءات على فنه القصصي. كي تكون قاصا، عليك أن تكون عالِما بعلم اللغة، ودلالاتها، خاصة وأن انتشارها الآن أي القصة أصبح على مساحة كبيرة في خارطة الإبداع العالمي، كونها تختزل الأحداث بفنية عالية، وتختصر الزمن.

بعض الكتاب يخوضون عوالم الخيال القصصي، والآخرون يتطرقون للهم الواقعي، بينما البعض الثالث من يوظف الواقع لمخياله، ليكتب قصة فنطازية، أي غرائبية، تعالج الواقع بأسلوب مختلف عن القصة الواقعية.

  • السؤال الأهم ما معنى أن نكتب، وما نريد من ذلك؟

الكتابة حياة، وساعة الخلق الإبداعي تماما كما هي ساعة المخاض لولادة عسيرة، أو سهلة.. عني شخصيا، أعتبرها ولادة عسيرة، لأنني أتعامل مع الغرائبي والواقعي بنفس القصة، وهذا لايعني أنني أسرد أحداثاً، بل أرمز إليها من خلال اللغة والإيحاء والرمز، (طبعا الرمز هنا بكل أبعاده وتنوعه مثل الرمز الديني، الأسطوري، الشعبي، التاريخي) كي أترك مساحة للقارئ أن يكون ضمن النص القصصي ومتفاعلا ضمنا أيضا، هذا هو الفن الحقيقي، يقوم بمشاركة القارئ كأحد الأبطال من خلال الاقتراب منه أو من معاناته الإجتماعية أو السياسية أو النفسية، لذا ساعة دخوله ضمن القص سيجد أن ما سرده الكاتب كان عنه، وهكذا تكتمل حلقة القرّاء والكتاب ليجدوا ذواتهم معا في هذ العالم الكوني السردي.

تختلف القصة عن الرواية كونها تركز على بطل واحد أو اثنين، وتختزل الأحداث.

لقد تطورت كتابة القصة القصيرة عن زمانها القديم، كما كان يحصل في قصص (ألف ليلة وليلة) على سبيل المثال، تتحدث عن الجن والسحرة والكادحين والعشاق، ولا تتحفظ عن تناول الجنس الجسد ومعانته أو وصفة بدقة. لكنها تطورت على مر الزمن على أيدي رواد عالميين وعرب أيضا، أمثال” أدكار ألن بو، وكولن ولسن،كافكا، وغيرهم.

إذ يحوّل الكاتب مشاعره ورؤاه، وينصهر الكاتب مع المجتمع، مع حالتهم الفكرية والنفسية ليصبح العالم كله هو، إذ ليس الذاتي، فقط، بل الذاتي والجمعي، ليقدم عالما مثاليا من الأخلاق، والرغائب، والثورات بكل معانيها، الثورة على تقاليد تأسر الفرد وتجعله خاضعا عاجزا عن إيجاد ذاته وتحقيق هذه الذات، من خلال تحدّي ظلم التقاليد البالية التي لا تصلح للواقع المتطور.

فالثورة لا تعني ثورة سياسية، بل ثورة  شمولية، للوصل إلى الحرية المطلقة للكاتب.

وكلنا نعرف عناصر القصة القصيرة، من الفكرة، الحدث، العقدة، والخاتمة، بالنسبة لي اعتبرها  ذات أهمية كبيرة، كما الضربة القوية في نهاية القصيدة، وخاصة حين تحمل عنصر المفاجأة.

وهذا يتبع لثقافة الكاتب وقراءاته المتعددة والإستفادة مما قرأ، ليدوّن ملاحظاته حول شيء ما أثار انتباهه، لكن شرط أن يترك كل ما قرأه مخزونا في فكره فقط ساعة الكتابة، وإلا أصبح مقلدا لا مبدعا مبتكرا، له أسلوبه الخاص وبَصمته الخاصة به.

إقرأكثيرا وانس ما قرأت، أو اتركه وغب عنه ثم اكتب ، ستجد في العقل والخيال والفكر متسعا كبيرا للخلق والإبداع.

وفي النهاية، القصة القصيرة محض إبداع حتى لو تناولت الواقع، لا نكتب عن الواقع بل نصهره ونعيد بناءه، نفكّكه ثم نبنيه، ليكون مشذَّبا باللغة والفن والجمال، فكل إبداع سردي هو هدم وبناء وخيال خصب وثقافة وموهبة.

*****

*شاعرة وروائية وقاصة من العراق مستوطنة في المملكة المتحدة- لندن

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of