+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

الرحالة الكبير ابن جبير الأندلسي شاعرا
*فردوس أحمد بت العمري

كان ابن جبير من ذوي المواهب المزدوجة فإنه ترك آثاره نثرا وشعرا، أما نثره فهو يحتوي على رحلته ورسائله وهو أوضح وأجمل من شعره ولذا اشتهر كاتبا ورحالة حيث استخدمه أمير غرناطة وغيره من أمراء عصره ككاتب، وقد اكتملت على أيديه ملامح أساسية لأدب الرحلة العربي. فكتب كثيرون من الدارسين والباحثين عن رحلته ولكن من المؤسف أنهم لم يهتموا بشعره كما يستحق. فأود أن ألقي الضوء على كونه شاعرا كي يتضح موهبته الشعرية.

هو محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبيربن محمد بن عبد السلام الكناني الواصل إلى الأندلس[1] المولود على أرجح الأقوال في ليلة السبت العاشر من شهر ربيع الأول سنة 540هـ (1145م) ببلنسية من شرق الأندلس[2]،نشأ وترعرع في أسرة عربية عريقة وبيئة إسلامية محضة تهتم بالعلم والتعليم فهو تلقى العلوم الإسلامية من أبيه وبعد ذلك دفعه أبوه إلى عدد من شيوخ الأندلسولمّا ارتحل إلى الشرق أخذ العلم من علماء مكة وبغداد ودمشق. وثمرة هذه التربية الصالحة هي أنه أصبح من أهل المروءات، ومن العلماء الكبار، ومحبا لقضاء حوائج الناس،وشخصا متدينا ومتحليا بالأخلاق الحسنة والأوصاف الحميدة إضافة إلى عَلم من أعلام الأدب العربي. وقد تلمذ له خلق كثير في المغرب والأندلس والإسكندرية، فهو كان دائما يهدف إلى توجيههم نحو الأخلاق الفضلى والصفات العلى كي يستقيم خلقهم وسلوكهم والتعامل بينهم.

يعد ابن جبير من أعلام عصره في الأدب العربي وقد اشتهر ابن جبير في أنحاء العالم بسبب رحلاته التي زار خلالها الشرق وحج بيت الله العتيق. وهو رحل إلى الشرق ثلاث مرات ولكن وصلت إلينا فقط مدونة رحلته الأولى فقط، لا ندري هل كتب أحوال رحلتيه الأخيرتين أم لا !؟  سجل ابن جبير في كتابه الشهير بــ “رحلة ابن جبير” الأحوال الاجتماعية والدينية والأدبية والثقافية والعقلية للدول العربية وذكر فيه المعلومات التاريخية والجغرافية المهمّة. وهذا هو الكتاب الذي أصبح سببا أساسيا لشهرته في الشرق والغرب حيث تداولته أيدي القراء مخطوطة ومطبوعا حتى قال عنه المقري: “وله رحلة مشهورة بأيدي الناس”[3]. وكذلك اشتهر ابن جبير بسبب رسائله وأقواله في الحكمة في الأوساط الأدبية حيث كان له قدرة فائقة على النثر كما قال عنه ابن الخطيب: إنه كان أديبا بارعا نثره بديع وكلامه المرسل سهل حسن وأغراضه جليلة ومحاسنه ضخمة[4]. لا نبسط القول عن كونه رحالا كبيرا ولا عن كونه ناثرا بليغا ولكن نسلط الضوء بقدر من التفصيل في هذه المقالة على كونه شاعرا عظيما.

ازدهرت الأندلس عصر الموحدين في الحياة الثقافية والعقلية والأدبية والشعرية. ومن الطبيعي أنه برز كبار الجغرافيين والمؤرخين والأدباء والشعراء في هذا العصر في الأندلس. فإن من أعلام الشعراء الذين خدموا الأدب العربي في هذا العصر: الرصافي البلنسي (ت: 572هـ)، وأبو بكر محمد بن عبد الملث (ت: 595هـ)، وأبو حعفر بن سعيد (شاعر عثمان بن عبد المؤمن)، وابن عربي محي الدين بن علي (ت: 638هـ)، وإبراهيم بن سهل الاسرائيلي (ت: 649هـ)، وعلي بن موسى (ت: 658هـ) وغيرهم. ومن المعروف أنه كان بين رحالتنا وشاعرنا ابن جبير وهؤلاء الشعراء المذكورة صلات أدبية كما أشار إليه ابن الخطيب بقوله: “وجرت بينه وبين طائفة من أدباء عصره مخاطبات ظهرت فيها براعته وإجادته.[5]

ابن جبير شاعرا:

اشتغل صاحبنا ابن جبير بصناعتي الأدب: الشعر والنثر منذ طفولته وظهرت براعته في كلتيهما حيث دوّن رحلته بكل دقة وصداقة وله رسائل كثيرة وقصائد عديدة وأسلوبه فيها رفيع وممتع وجذاب، ولذا لمع اسمه في الشرق والغرب كأديب من أدباء الأدب العربي عامة وكعلم من أعلام أدب الرحلة خاصة. يقول فؤاد قنديل: وما أن بلغ سن الصبا حتى تيقظت مواهبه الأدبية، وأقبل على القراءة وخاصة أشعار القدماء من العرب وسرعان ما استهواه الشعر ونظمه، وتناقل الناس قصائده، كما كتب نثرا جميلا يفيض بالحكمة.[6]وقد أسلفنا بالذكر أنه ضاع كثير من شعره ومنه ما قاله في رثاء زوجته كما ذكرت المصادر التاريخية وكُتب التراجم أنّ من تصانيفه في الشعر ديوان على قدر ديوان أبي تمام وجزء سماه “نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح” في مراثي زوجته أم المجد. ولقد ذكر الباحثان[7] المصادر المختلفة لشعر ابن جبير مع ذكر عدد الأبيات فيها، وقالا:”إن الأبيات التي وصلتنا إلينا بواسطة الكتب المختلفة عددها ستمائة وتسعة وعشرين بيتا.”

أما منهجه في شعره فهو سلك نفس المنهج الشائع في عصره، نجد في شعره الجناس، حسن التقسيم والتورية، والاقتباس من القرآن والحديث والأمثال العربية.ومن أمثلة اقتباسه من القرآن الكريم قوله حيث يمدح النبي ثم أهل بيته[8]:

هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم     وأطلعهم أفق الهدى أنجما زهرا

فقوله في البيت المذكور: “أذهب الرجس عنهم” تلميح من آية القرآن: إِنَّمَايُرِيدُاللَّهُلِيُذْهِبَعَنْكُمُالرِّجْسَأَهْلَالْبَيْتِوَيُطَهِّرَكُمْتَطْهِيرًا[9].

ومن أمثلة اقتباسه من الحديث النبوي الشريف قوله عن السفر[10]:

طال شوقي إلى بقاع ثلاث          لا تشد الرحال إلا إليها

وقد اقتبسه ابن جبير من قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا (المسجد النبوي) والمسجد الأقصى[11].

وهذا دليل بين على قدرته اللغوية كما هو دليل واضح على ثقافته الدينية الواسعة.

أغراض ابن جبير:

 أما الأغراض الشعرية التي طرق فيها شاعرنا ابن جبير فهي كثيرة ومنها: المدح والحمد والهجاء والوصف والزهد والحكمة والشوق والحنين وغيرها. نجد عدد غير قليل من شعره في كل غرض من الأغراض الشعرية المذكورة يقول المراكشي: أغراضه في أشعاره مستحسنة، ولولا خوف الإملال والخروج بها إلى غير ما له قَصْدُنا لاستكثرنا منها، إيثارا لكريم آثاره، واستطابة لإيراد أخباره وأشعاره[12].ينبغي لنا أن نقدم بضعةالنماذج من شعره دلالة على قدرته الفائقة على قرض الشعر علما أنه لم يصل إلينا شعره كاملا في ديوان مستقل بل ورد من شعره ما ورد في كتب المؤرخين والأدباء والرحالين وهو قليل من كثيره.

المدح:

هذا الغرض من الشعر كان معروفا عند العرب منذ العصر الجاهلي، خدمه الشعراء في كل عصر من العصور الأدبية فهو كان وسيلة القوت والرزق لأكثرهم ولكن لم يكن ابن جبير يمدح من أجل الكسب والكلأ وإنما يأتي مدحه ناتجا عن إعجاب الصدق بالممدوح أو بما قام به من عمل حسن. مع أن ابن جبير قرض الأبيات الكثيرة في هذا الغرض – كما ورد في الذيل والتكملة: “أن لابن جبير أمداحا كثيرة في بني عبد المؤمن كان قد قالها فيهم قبل رحلته إلى الشرق”[13] – ولكن وصل إلينا قليل منها.وقد مدح ابن جبير بضعة الأشخاص العظيمة لإعجابه بشخصيتهم وجهودهم القيمة في الدفاع عن الدين والمسلمين.ومن ممدوحيه البطل الإسلامي صلاح الدين أيوبي وأمير المؤمنين المنصور الموحدي أبو يوسف يعقوب بن عبد المؤمن، وأبو القاسم عبد اللطيف بن محمد. فها أنا أقدم نماذج من شعره في المدح، فلنبدأ بمدحه للخليفة المنصور الموحدي[14]:

بلغت أمير المؤمنين مدى المنى      لأنك، قد بلّغتنا ما نؤمل

قصدت إلى الإسلام تعلى مناره      ومقصدك الأسنى لدى الله يقبل

تداركت دين الله في أخذ فرقة        بمنطقهم كان البلاء الموكل

إن من أعظم المفاخر في نظر شاعرنا ابن جبير حماية الدين والمحافظة عليه ولذا مَن لعب دورا إيجابيا في حماية الدين مدحه ابن جبير في شعره، فهو قال مادحا الخليفة لحمايته الدين الإسلام بما فعله بالفلاسفة[15]:

خليفة الله أنت حقا                  فارق من السعد خير مرقى

حميتم الدين من عداه               وكل من رام فيه فتقا

أطلعك الله سر قوم                 شقوا العصا بالنفاق شقا

وقال مادحا خليفة المؤمنين في المغرب المنصور الموحدي[16]:

خليفة الله دم للدين تحرسه                  من العدا وتقيه شر كل فئة

فالله يجعل عدلا من خلائقه                مطهرا دينه في رأس كل مائة

ومن ممدوحي ابن جبير صلاح الدين الأيوبي الذي مدحه لمّا شاع الخبر المبهج بفتح القدس وانتصاره على الصليبين سنة 583هـ،يقول ابن الخطيب: اشتهرت في السلطان الناصر صلاح الدين ابن أيوب له قصيدتان إحداهما أولها[17]:

أطلّت على أفقك الزاهر             سعود من الفلك الدائر

فأبشر فإن رقاب العدا               تُمد إلى سيفك الباتر

وفيه:

فتحت المقدس من أرضـــه           فعادت إلى وصفها الطاهر

وجئت إلى قدسه المرتضى           فخلصته من يــد الكـــــافر

والقصيدة الأخرى منهما في الشكوى من ابن شُكْر الذي كان آخذ المكس من الناس في الحجاز[18]:

وما نال الحجاز بكم صلاحا        وقد نالته مصر والشام

النقد الاجتماعي والشكوى من الزمان:

عاش ابن جبير حياة مضطربة وظل متنقلا من مكان إلى مكان حتى وافته المنية وهو في الإسكندرية سنة 614هـ[19]، كان ابن جبير يقوم بإصلاح المجتمع في شعره فنجد فيه النقد الاجتماعي والشكوى من الزمان وله جزء – كما قال المراكشي[20] – يحتوي على  أكثر من مئتي بيت سماه “نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان”. وقد شكا ابن جبير في شعره أصدقائه وزملائه والمجتمع والولاة والحكام حتى الدهر. فهو ذكر أوصاف أصدقائه المذمومة والعادات السيئة في شعره حيث قال[21]:

أخلاء هذا الزمان الخؤون           توالت عليهم حروف العلل

تغير إخوان هذا الزمان              وكل صديق عراه الخلل

وكانوا قديما على صحة             فقد داخلتهم حروف العلل

قضيت التعجب من أمرهم           فصرت أطالع باب البدل

وقال ذاكرا عدم إخلاص أصدقائه له، فيأخذ يشكوا الزمان والدهر أيضا[22]:

صبرت على غدر الزمان وحقده             وشاب لي السم الزعاف بشهده

وجربت إخوان الزمان فلم أجد               صديقا        جميل الغيب في حال بعده

وكم صاحب عاشرته وألفته                 فما دام لي يوما على حسن عهده

ومن شعره فيه أيضا[23]:

لي صديق خسرت فيه ودادي               حين صارت سلامتي منه ربحا

حسن القول سيء الفعل كلجـ               زّار سمّى وأتبع القول ذبحا

هجاء الفلاسفة والدهريين:

وقد هجا ابن جبير الفلسفة والفلاسفة مثل ابن طفيل وابن رشد والفارابي بكل شدة وصراحة حيث إن الفلسفة سبب الفساد في الدين والضعف في العقيدة الصحيحة. فمثلا يقول وهو يهجو الفلاسفة[24]:

قد ظهرت في عصرنا فرقة          ظهورها شؤم على العصر

لا تقتدي في الدين إلا بما           سنّ ابن سينا وأبو نصر

وقال[25]:

يا وحشة الإسلام من فرقة           شاغلة أنفسها بالسفه

قد نبذت دين الهدى خلفها           وادعت الحكمة والفلسفة

زقال في ذم الفلاسفة[26]:

قد ثبت الغي في العباد              طائفة الكون والفساد

يلعنها الله حيث كانت               فإنها آفة العبـــــــــاد

الوصف:

الوصف هو تصوير شي ما والإخبار عن حقيقته مع ذكر أحواله وهيئاته فيشعر بقراءته القاري كأنه رأى ذاك الشيء بعينيه كما قال إبن رشيق “أبلغ الوصف ماقلب السمع بصراً[27]. فإن شاعرنا ابن جبير لم يتخلف في هذا الغرض من الشعر فإنه وصف دمشق وصفا شاملا وأيضا وصف مدينة غرناطة (يقال لها دمشق الأندلس) وهو يعتمد فيه على اتجاه الموازنة والمقابلة حيث قام بالمقارنة بين غرناطة ودمشق قائلا[28]:

يا دمشق الغرب هاتيـ                ك لقد زدت عليها

تحتك الأنهار تجري                 وهي تنصب إليها

وقال يصف القلم[29]:

قلم به الإقليم أصبح في حمى        بشباته صرف الحوادث يصرف

ولئن تقاصر قده فلقدّه                      ظلت له الأسل الطوال تقصف

وهو وصف الشرق على وجه العموم وبيّن فضله على الغرب قائلا[30]:

لا يستوي شرق البلاد وغربها               الشرق حاز الفضل باسترقاق

انظر لحال الشمس عند طلوعها            زهراء تصحب بهجة الإشراق

وانظر لها عند الغروب كئيبة               صفراء تعقب ظلمة الآفاق

وقد وصف شاعرنا دمشق وجوامعها وأهلها وصفا جيدا ومنه ما نقله المقري عن البدر بن حبيب حيث يقول.[31]

لله ما أحلى محاسن جلق                   وجهاتها اللاتي تروق وتعذب

بيزيد ربوتها الفرات وجنكها                  يا صاح كم كنا نخوض ونلعب

وقد وصف ابن جبير في رحلته أيضا دمشق والمسجد الجامع فيها بكل دقة. فمثلا يقول في وصف الجامع: انه من أشهر جوامع الإسلام حسنا، وإتقان بناء، وغرابة صنعة، وواحتفال تنميق وتزيين..[32]فهذا دليل بين أنه كان يجيد الوصف نثرا وشعرا.

الوصايا:

قد ذكرنا أنه كان شاعرنا شخصا إسلاميا وفقيها إضافة إلى كونه رجلا حكيما وداعيا إلى كل خير وصلاح. فهو أوصى في شعره بما ينبغي لكل إنسان أن يعمل عليه. ومن شعره في الوصايا والآداب ما يلي[33]:

عليك بكتمان المصائب واصطبر           عليها فما أبقى الزمان شقيقا

كفاك بشكوى الناس إذ ذاك أنها             تسر عدوا أو تسوء صديقا

فقد كان شاعرنا موحدا وسنيا فضلا ولا يعتمد إلا على الله سبحانه وهو يوصي به الناس حيث يقول[34]:

من الله فاسأل كل شيء تريده       فما يملك الأنسان نفعا ولا ضرا

ولا تتواضع للولاة فإنهم              من الكبر في حال تموج بهم سكرا

وإياك أن ترضى بتقبيل راحة        فقد قيل فيها: إنها السجدة الصغرى

فقد ورد في نفح الطيب من شعره يوصي فيه بالالتزام بما كان عليه السلف والاجتناب عن محدثات الأمور حيث يقول[35]:

قد أحدث الناس أمورا فلا           تعمل بها إني امرؤ ناصح

فما جماع الخير إلا الذي            كان عليه السلف الصالح

الحنين:

نجد في شعر ابن جبير بعض المقطوعات من نوع الحنين والشوق إلى الوطن والأسرة في حين وهو وقتما يكون في الشرق، وفي حين لمّا يكون في وطنه يشتد به داعي الشوق إلى الأماكن المقدسة. فهو لما دخل بغداد أثناء رحلته الشهيرة فاقتطع غصنا نضيرا من أحد بساتينها فذوى في يده فقال[36]:

لا تغترب عن وطن          واذكر تصاريف النوى

أما ترى الغصن إذا          ما فارق الأصل ذوى

وقال وهو يصرح شوقه للرجوع إلى وطنه[37]:

سقى الله باب الطاق صوب         غمامه وردّ إلى الأوطان كل غريب

وقال أيضا[38]:

غريب تذكر أوطانه          فهيّج بالذكر أشجانه

يحل عرى بالأسى           ويعقد بالنجم أجفانه

وقال أيضا وهو يذكر وطنه غرناطة حيث ترك جارية لها[39]:

طول اغتراب وبرح شوق            لا صبر والله لي عليه

إليك أشكو الذي ألاقي       يا خير من يشتكى إليه

ولي بغرناطة حبيب                 قد غلق الرهن في يديه

وقال مهنئا حجاجا وفي التشوق إليهم[40]:

يا وفود الله فزتم بالمنى             فهنيئا لكم أهل منى

قد عرفنا عرفات معكم              فلهذا برّح الشوق بنا

نحن بالمغرب نجري ذكركم          فغروب الدمع تجري هتّنا

أنتم الأحباب نشكو بُعدكم           هل شكوتم بُعدنا من بَعدنا

ولشاعرنا أبيات كثيرة في غير الأغراض المذكورة ولكن لا يسع مجال إلى ذكر كلها نظرا إلى حجم المقالة. يجدر باذكر أنه كان شاعرنا يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وصحبه حبا شديدا، وقد قرض القصائد في حبهم فمثلا يقول[41]:

أحب النبي المصطفى وابن عمه            عليا وسبطيه وفاطمة الزهرا

هم أهل بيت أذهب الرحس عنهم            وأطلعهم أفق الهدى أنجما زهرا

موالاتهم فرض على كل مسلم        وحبهم أسن الذخائر للأخرى

من الأسف أنه ضاع معظم قصائده ومقطوعاته الشعرية. وبالرغم ذلك وصل إلينا من شعره كمية كبيرة من القصائد والأبيات التي قرضها هو في حين بعد حين،ونجد لما نطالع شعرهأنه كان لشاعرنا مهارة تامة على اللغة فكان أحيان يلعب بها حيث كان يستخدم الجناس والتورية وحسن التقسيم وكان يلتزم بمالا يلزم من الحروف والحركات. فمن شعره من هذا النوعقصيدتهالطويلة الشهيرة التي نظمها في بيان شرف المدينة الطيبة عند استقبالها وهي ثلاثة وثلاثون بيتا، أولها[42]:

أقول وآنست بالليل نارا              لعل سراج الهدى قد أنارا

وإلا فما بال أفق الدجى             كأنّ سنا البرق فيه استطارا

وشعره في غبطة من منّ الله عليه بحج بيته الحرام وزيارة قبر نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم[43]:

هنيئا لمن حج بيت الهدى           وحطّ عن النفس أوزارها

فإن السعادة مضمونة               لمن حج طيبة أو زارها

لاحظ في الكلام المذكور: “أوزارها” في آخر البيت الأول و”أو زارها” في آخر البيت الثاني.

وشعره في فضل الحجاز[44]:

إذا بلغ العبد أرض الحجاز          فقد نال أفضل ما أمّ له

فإن زار قبر نبي الهدى             فقد أكمل الله ما أمّله

لاحظ في الكلام المذكور: “ما أمّ له” في آخر البيت الأول و”ما أمّله” في آخر البيت الثاني.

وعصارة الكلام هو أنه كان ابن جبير من أعلام الأدب العربي حيث كان عالما وفقيها وكاتبا وناثرا وشاعرا وحكيما ورحالا كبيرا. كان له ملكة لغوية وثقافة واسعة كما يتبين من استخدامه في شعره فنون البديع المختلفة مثل الجناس وحسن التقسيم والتورية، وهو اقتبس من القرآن والحديث والأمثال العربية. وإنه طرق في جميع أغراض الشعر على وجه التقريب. قرض في المدح وأجاد فيه. وقال في الوصف والحكمة والشوق والهجاء وغيرها من الأغراض الشعرية المعروفة آنذاك. وقد شاعرنا رجلا متدينا يلتزم بالخلق الإسلامي كما كان رحالا كبيرا طاف الشرق والغرب وما شعره إلا صورة لحياته فنجد في شعره أنه غلب عليه طابع ديني، ولشعره اتصال تام برحلاته التي زار خلالها الديار المقدسة وغيرها. وكان ابن جبير شاعرا ناصحا وداعيا إلى التحلي بمكارم الأخلاق والقيم الخلقية الإسلامية، فكان دائما يهدف إلى توجيه الناس نحوالأخلاق الفضلى والصفات العلى كي يستقيم خلقهم وسلوكهم والتعامل بينهم.

***

المراجع

[1] ابن الخطيب، محمد لسان الدين، الإحاطة في أخبار غرناطة، ج 2، ص 168، ط1، مطبعة الموسوعات، مصر، 1319هـ

[2] المقريزي، كتاب الكبير،ص 138، الجزء الأول/ والمقري، أحمد بن محمد التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ص 382، ج 2، حققه د. إحسان عباس، دار صادر بيروت، 1968م.

[3]  نفح الطيب ص 386، ج 2

[4] ابن الخطيب، محمد لسان الدين، الإحاطة في أخبار غرناطة، ج 2، ص 168

[5] ابن الخطيب، محمد لسان الدين، الإحاطة في أخبار غرناطة، ج 2، ص 168

[6] فؤاد قنديل، أدب الرحلة في التراث العربي، ص 384، مكتبة الدار العربية للكتاب – القاهرة، 2002م

[7]د. أسماء صابر جاسم والسيد علي إسماعيل، مقال: البناء التركيبي في شعر ابن جبير الأندلسي، ص 99، المجلد 4، العدد 12، السنة الرابعة – تشرين الثاني 2008م

[8]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 521

[9]القرآن الحكيم، سورة الأحزاب، رقم الآية: 33

[10]المقري، نفع الطيب، 488

[11]البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ترقيمفتحالباري 1189

[12]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 525

[13]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 514

[14]المراكشي، الذييل والتكملة، 6/31

[15] المراكشي، الذييل والتكملة 6/31

[16] المراكشي، الذييل والتكملة 6/31

[17]انظر: المقري، نفع الطيب، ج 2، ص 383 / وانظر أيضا: المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 506

[18]انظر: المقري، نفع الطيب، ج 2، ص 384

[19]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 488

[20] المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 514

[21] المقري، نفح الطيب، ج2، ص 491

[22] المقري، نفح الطيب،ج 2 ص 490

[23]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 388

[24]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 385

[25]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 385

[26]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 516

[27]القيرواني،إبنرشيق،العمدةفيمحاسنالشعروآدابهونقده،ج:2،ص 226

[28]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 392

[29]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 516

[30]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 516

[31]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 389

[32]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 387

[33] ابن الخطيب، ن.م ج 2، ص 173 / المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 518

[34]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 518

[35]المقري، نفح الطيب، ج 2، ص 492

[36]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 382

[37]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 386

[38]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 384

[39]المقري، نفح الطيب، ج2، ص 386

[40] المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 519

[41]المراكشي، الذيل والتكملة، ج 3، ص 521

[42] ابن الخطيب، محمد لسان الدين، الإحاطة في أخبار غرناطة، ج 2، ص 171 / نفع الطيب، المقري، ج 2، ص 487

[43] ابن الخطيب، ن.م  ، ج 2، ص 172 /  المقري، نفع الطيب، ج 2، ص 493

[44]المقري، نفع الطيب، ج 2، ص 488

*الباحث بقسم اللغة العربية، جامعة علي كراه الإسلامية، علي كراه، الهند

2
Leave a Reply

avatar
2 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
2 Comment authors
SALIMأبو سليم التشودري Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
أبو سليم التشودري
Guest
أبو سليم التشودري

رائع

SALIM
Guest
SALIM

GD WRK