المقدمة:
المفكّر والأديب الإسلامي الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي واحد من نوابغ الكتاب والمفكّرين الّذين قدّموا مجهودات قيّمة في مجالات علميّة وفكريّة وتعليميّة وتربويّة وأدبيّة، كما يتميّز الشيخ أيضا في المجالات التوجيهيّة والقياديّة، إنّه كان عالما نبيلا وداعية عظيما، استفاد منه المسلمون عن طريق التدريس والتعليم، والتوجيه والتربية، والخطب والنصائح، والمكتوبات والمؤلفات وغيرها من الإنجازات القيمة، عاش الشيخ 96 عاما، كان أمين عام دارالعلوم ندوة العلماء، ورئيسا لهيئة قانون الأحوال الشخصيّة الإسلامية لعموم الهند كما أنّه انتخب رئيسا لرابطة الأدب الإسلامي العالميّة، وقد ترأس عددا كبيرا من المدارس والمراكز والهيئات والمؤتمرات والندوات، ترك بصمة رائعة بمؤلّفات أدبيّة وإسلاميّة وفكريّة شتّى، إذ أنّه بجانب مراعاته التامّة على الأمّة المسلمة وأحوالها اهتمّ بتدريس اللغة العربيّة وتعليمها ونشرها بين أبناء المسلمين، فأصدر صحيفة “الرائد” عام 1959م، وألّف عددا كبيرا من الكتب في تعليم اللغة العربيّة، كما هيّأ وقدّم للناطقين باللغات الأخرى استراتيجيات ومقترحات لتعلّم اللغة العربيّة كتابة وتعبيرا، ومن بين هذه المجهودات يتميّز كتابه “معلّم الإنشاء (الجزء الثالث) بنوعيّة فريدة في تعليم فنّ الإنشاء حيث ألّف فيه عن صياغة الجمل المفيدة والتامّة وكيفيّة القيام بإيجازها وإطنابها وكذلك قدّم طرق الكتابة والتأليف حيث جعله مفتاحا بأصول وآداب للطلّاب في تعليم فنّ الكتابة والتأليف.
الملخّص:
كان الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي فريد عصره في إسهاماته الأدبيّة والثقافيّة والفكريّة والاجتماعية والسياسيّة، كانت رسالة حياته الدعوة والإصلاح وبناء الشخصيّة، فاستخدم لذلك وسائل متعددة من؛ التأليف والوعظ والتدريس والصحافة، كانت صحيفة “الرائد” مأثرته اللغويّة والفكرية الثريّة، وتحقيقا للغرض اللغوي والكتابي المنشود ألّف كتابه “معلّم الإنشاء (الجزء الثالث)”. يهدف هذا البحث إلى تقديم جهود الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في تعليم مهارة الكتابة عن طريق هذا الكتاب المعروف، الذي يشمل مقترحات الشيخ وتوصياته في منهجيّة كتابة الجمل والمقالات والرسائل والخواطر، كما يسلّط البحث على العناصر الكتابيّة والموضوعات والأهداف مما اقترحه الشيخ الندوي، ولمعالجة محتوى الكتاب استخدم الباحث المنهج الوصفي والتحليلي، متمركزا على النقاط الآتي ذكرها:
- جهود الشيخ في تعليميّة فنّ الإنشاء: دراسة نظرية في ضوء معلم الإنشاءز
- جهوده في تعليم الإنشاء: دراسة تطبيقيّة من خلال صحيفة “الرائد”.
- تحليل كتاب “معلّم الإنشاء” تحليلا فنيا.
- الخاتمة
الكلمات المفتاحيّة: فنّ الإنشاء، دراسة نظرية، دراسة تطبيقية، مهارة الكتابة، الإبداع، التأليف، الترجمة، الصحافة.
الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي وجهوده الأدبيّة والتعليميّة:
نبذة عن حياته:
ولد الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في 2 أكتوبر عام 1929م في أسرة الأشراف الحسنيين الّتي انتقل جدّها إلى الهند في القرن السادس الهجري، حيث أنجبت هذه الأسرة الحسنيّة كبار الصالحين والعلماء والأئمة المجاهدين أمثال المجاهد الكبير أحمد بن عرفان الشهيد، وعبد الحي الحسني، والشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي الّذي سار صيته في الآفاق الذي كان خال الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي[1].
نشأ الشيخ في بيئة علميّة، إذ كانت والدته السيدة أمة العزيز شقيقة الشيخ أبي الحسن الندوي وابنة السيدة خير النسا، وبعدما تلقى مبادئ العلوم انتقل إلى لكهنؤ، فتعلّم على كبار عصره من العلماء بها تحت رعاية خاليه الدكتور عبد العلي الحسني، والشيخ أبي الحسن الندوي، قرأ عليهم كتب الأدب واللغة والعلوم الشرعيّة، ثمّ التحق بجامعة ندوة العلماء، كما استفاد خلال ذلك من كبار علماء عصره من أمثال الشيخ أشرف علي التهانوي، والداعية الكبير محمد إلياس الكاندهلوي، والمحدث الكبير حسين أحمد المدني وغيرهم حتى تخرّج في عام 1948م، ثمّ عيّن مدرّسا اللغة العربيّة وآدابها في دار العلوم لندوة العلماء، ولازم الشيخ أبا الحسن الندوي في حله وترحاله، حتّى سافر معه إلى الحجاز عام 1950م، حيث أقام أكثر من سنة، مستفيدا من كبار أهل عصره منهم العلامة ابن باز، والشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ أمين الشنقيطي وغيرهم، حتى عاد إلى لكنهؤ في ندوة العلماء، ثمّ عيّن رئيس قسم الأدب العربي عام 1955م، واختير عميد كلية اللغة العربية وآدابها فيها عام 1970م، وفي عام 1993م عيّن مديرا لدار العلوم لندوة العلماء، حتّى عيّن عام 2000م أمينا عاما لها بعد وفاة الشيخ أبي الحسن الندوي، وما بعده اختير أيضا رئيس هيئة قانون الأحوال الشخصيّة الإسلاميّة لعموم الهند عام 2003م وكذلك اختير رئيس رابطة الأدب الإسلامي عام 2022م بعد أن كان عضوا لها لسنين، حتى وافته المنيّة يوم الخميس 21/ رمضان المبارك 1444ه المصادف 13/أبريل 2023م[2].
الجهود الأدبيّة التعليميّة:
قدّم الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي مساهمات ملحوظة في رئاسة المؤتمرات والمراكز والتأليف والتدوين في مختلف المجالات، فترأس مراكز إسلاميّة وجمعيّات شرعيّة عديدة حتّى عدّ فهمه للنصوص الإسلاميّة مرجعا مهما للنقاد والباحثين، كذلك ألّف كتبا عديدة في الفكر الإسلامي ومن أشهرها “قيمة الأمّة الإسلاميّة: منجزاتها وواقعها المعاصر” و”مقالات في التربية والمجتمع” و”في وطن الإمام البخاري” و”العالم الإسلامي اليوم: قضايا وحلول” و”في ظلال السيرة” وغيرها من الكتب، أمّا مساهماته الأدبيّة فهو كان لها معلّما نبيلا ومصدرا ورئيسا لصحيفة “الرائد” ومؤلّفا لعدد من الكتب العربيّة في تاريخ الأدب العربي ونقده، كما ألّف في فنّ الإنشاء كتابه المشهور معلّم الإنشاء (الجزء الثالث)، ومن أبرز مؤلفاته “الأدب العربي بين عرض ونقد” يستعرض فيه أهمّ الأعمال الأدبيّة والشعريّة بكلّ دقة متناولا نصوصا وقضايا أدبيّة من العصر الجاهلي حتى العصر الحديث بالتحليل. و”تاريخ الأدب العربي (العصر الإسلامي)” يقدم نظرة شاملة عن الأدب العربي في العصور الإسلاميّة، أمّا كتابه “ألأدب الإسلامي وصلته بالحياة” كتاب مهم في الأدب الإسلامي، يتناول فيه ارتباط الأدب الإسلامي بلامح الحياة المختلفة، وكذلك يعكس كتابه الفريد “الأدب الإسلامي فكرته ومنهاجه”، يستعرض الشيخ في هذين الكتابين النظريات والأفكار الإسلامية التي تتبلور فيها رؤية الشيخ وفهمه للأدب الإسلامي ودوره وتطبيقه في المجتمع، أمّا كتابه “منثورات من أدب العرب” فقد حظي بقبول واسع بين الأوساط العلميّة في المدارس والجامعات، هكذا إنّه قدّم في تعليم اللغة العربيّة ونقل معرفتها وثقافتها بصمة لا تمحى[3]، أمّا كتابه “فن الإنشاء” وهي أهمّ هذه الكتب الّتي يحتل مرجعا أساسيّا لتطوير مهارة الكتابة الإبداعيّة في اللغة العربيّة، يتضمّن الكتاب تعليمات وتوجيهات شاملة حول كيفيّة بناء الجملة والفقرات وكيفيّة التعبير بأسلوب ممتع جذاب، حيث يهتمّ على تحسين مستوى اللغة العربية في مجال الكتابة باستخدام الكلمات المناسبة والمفردات الموافقة مع اهتمامه البالغ على مراعاة الثقافة الإسلاميّة[4].
الأدبيات المتّصلة بعنوان البحث
تعليم اللغة العربيّة للناطقين بغيرها
لم يتّفق المتخصّصون في مصطلح واحد لبيان مجموع المحاور لمجال التعليميّة، فالبعض استخدم “التعليم” والبعض استخدم “التعلّم” وافترقا بأسباب متعدّدة بناء على نظريات وأسباب مختلفة، أمّا ما يحتوي على المجالات كلّها هو مصطلح “التعليميّة” بعدما نشر كتاب “تعليميّة الموادّ” لأحمد شبشوب مقترحا أنّ هذا الاصطلاح يتخطّى الطرائق الخاصّة يشمل المجالات الأخرى في مجال التربية والتعليم، وقد أطلق النادي الثقافي العربي في 20 نيسان 2001 بعنوان “تطوير مناهج اللغة العربيّة في لبنان” على هذا الاصطلاح[5]، فالمفهوم أنّ مصطلح التعليميّة أكثر شمولا وسعة، ولاسيما عندما ما يتعلّق الأمر بتعليميّة الموادّ الخاصّة.
ثم قام الباحثون بتفريق المعاني بين المصطلحين “التعلّم” و”التعليم”، ففرّقه الباحثون بالنسبة إلى نوعيّة الجهود المبذولة بين طرفي العمليّة التعليميّة “المتعلّم” و”والمعلّم”، فإذا كان العمل أحاديا فالمصطلح الأوفق هو “التعلّم”، أمّا إذا كانت هذه العمليّة التعليميّة مشتركا بين المعلّم والمتعلّم فالمصطلح الأنسب هو “التعليم”[6]، فالمعلوم أن العمليّة التعلّمية مرتبطة بجهد الفرد وحده بينما تتوقّف التعليميّة على عمليّة منظّمة مرتبطة بالمعلّم والمتعلّم معا، وقد انتشر هذا المصطلح في العصر الراهن بانتشار واسع وقبول فائق بين متخصّصي اللغة العربية لما قد انكبّ أهل اللغة العربية لتعليم اللغة العربية في هذا العصر الرقمي للناطقين بغير اللغة العربيّة.
إنّ في تعليم اللغة العربيّة استراتيجيّات ونظريات عديدة، ما زال الباحثون يقدّمون المقترحات حديثا حول تعليمها بوجه علمي دقيق، وهو إيصال المعلّم معرفة اللغة في أذهان التلاميذ يكتسب بها المتعلّم معرفة اللغة العربية والمهارات اللغويّة الأربع واتّجاهاتها وقيمها، فهي تهييئة معارف اللغة العربية للطلاب بالعمليّة النظريّة والتطبييقيّة، وهذا التعريف يختلف نظرا إلى المتعلّم، فالمتعلّم لو كان من أهل العرب أصالة فلا يحتاج إلى جهود كبيرة في المهارات الأربع، أمّا الأجانب فيُقدّم له المنهج الدراسي الجديد نظرا إلى عدد من النواحي كالبيئة اللغويّة العامّة والبيئة الاجتماعيّة والاقتصادية والثقافيّة، ثم يقام بإعداد المنهج المناسب تركيزا على المهارات اللغويّة الأربعة التّي يجب على المتعلّم أن يتعلّمها وهي: مهارة الاستماع ومهارة التحدّث ومهارة الكتابة ومهارة القراءة[7].
استعراض الكتاب:
- الشكل وبيانات النثر
الاسم الكامل للمؤلّف: محمد الرابع الحسني الندوي
عنوان الكتاب وعدد صفحاته: معلّم الإنشاء (الجزء الثالث)، 217 صفحة
اللغة: الأرديّة – العربية (التمارين)
مكان النشر وسنة الإصدار: ندوة العلماء، لكهنو، الهند
المحاور الرئيسيّة: الكتابة، بناء الجملة، أساليب التعبير، كتابة المقال والخواطر والرسائل، الترجمة
- المحتوى العلمي للكتاب
يتميّز هذا الكتاب بكونه سجلا رائعا ودليلا شاملا لتعليم مهارات الكتابة الإبداعيّة، يقدّم فيه المصنّف نصائح وتوجيهات حول كيفيّة بناء الجمل وفقرات بشكل صحيح سليم جذاب، وكيفيّة إنشاء المقال والرسائل والخواطر، كما يتضمّن الكتاب عددا كبيرا من التمارين الّتي تسهّل المتعلّم لكي يستفيد ويتدرّب عليها لتحسين المهارة الكتابيّة.
قسّم المصنّف هذا الكتاب إلى خمسة أبواب كاملة مع مقدمة من ريشة الأستاذ محمد ناظم الندوي وتقديم من قبل المصنّف نفسه، أمّا الباب الأوّل فهو يتضمّن أربعة دروس؛ كلّها تركّز على كيفيّة بناء الجمل والفقرات بوجه سليم، أمّا الباب الثاني فيحتوي على تعليم كتابة المقالات العربيّة بأساليب متعددة حسب الظروف والأحوال مع تحليل عناصر المقال وموضوعاته وعنوانه بالمقالات النموذجيّة، أمّا الباب الثالث فهو مترابط بعناصره ومحتواه بالباب السابق حيث يتضمّن تمارين عديدة مقسّمة بدروس قصيرة لا تملّ.
- أسباب تأليف الكتاب
إنّ هذا الكتاب جزء ثالث من سلسلة كتب الإنشاء، وقد ألّف عبد الماجد الندوي الجزأين الأولين في هذه السلسلة، أمّا الجزء الأوّل والثاني فهما يركّزان على ترجمة الجملة وتعريبها كغاية أساسيّة، ثمّ يقول المصنّف بنفسه عن سبب تأليف الكتاب في مقدّمة “معلّم الإنشاء (الجزء الثالث)” بأنّه ألّف هذا الكتاب للمقرّر الدراسي في دار العلوم ندوة العلماء حيث يقول “إن للصحافة والإنشاء دورا رياديّا في هذا العصر الراهن، حيث لم يبق الأدب والإنشاء أداة للتمتّع والتذوّق فقط، بل أصبحت موضوعا مهما يجب الاهتمام به للمسايرة مع الأيّام، وإنّ دار العلوم ندوة العلماء أحس بحاجة ملحّة إلى هذا الأمر، حيث كان يدرس فيه فنّ الإنشاء من بين الفنون، أمّا إذا ما كان له مقرّر دراسيّ خاص، فكانت الأساتذة يدرسون حسب أهوائهم كيفما يشاؤون، وهذا ما سبّب مشكلة عارمة لتوليد فجوة كبيرة بين مهارات الطلّاب، فوكّل دار العلوم ندوة العلماء مسؤوليّة القيام بمهام تأليف مقرّر دراسيّ إلى الأستاذ عبد الماجد الندوي وإنّه اهتمّ بالتعريب والترجمة في الجزأين الأوّلين حيث يدرس كلاهما في المرحلة الإبتدائيّة”[8] أمّا إذا رأت الهيئة والشيخ الندوي فيهم أن تدرس كيفيّة كتابة المقالات والرسائل وتعبير الكلمة بأسلوب أدبي وعلميّ كامل فأكبّ على كتابة هذا الكنز الثمين والذخيرة العلميّة النادرة.
- أهمّ المصادر الّتي اعتمد عليها المؤلف:
يقول المصنّف بنفسه في مقدّمة الكتاب بأنّه اعتمد على بعض من الكتاب كمراجع أساسيّة في سبيل تكملة هذا الكتاب، ومن أبرزها[9]:
- ضوء الصبح المسفّر للإمام أحمد بن علي القلقشندي الإنشاء العصري لأحمد سعيد محمد 3. معلم الإنشاء (الجزءان) لعبد الماجد الندوي 4. الإنشاء الحديث 5. الأسلوب الحكيم 6. القراءة الرشيدة 7. القراءة الراشدة وغيرها من الكتب.
ملخص محتوى الكتاب
يبدأ الشيخ كتابه بمقدّمة قصيرة ثمّ أتى برسالة موجّهة إلى المعلّمين حيث يقول “إن تمرينات هذا الكتاب تابعة لما سبق في الباب من الدروس، فينبغي للمؤلّمين أن يؤكّد بتعليم ما في الباب من القواعد وما في الأمثلة من المعاني الغريبة وليتأكّد من أن تكون المضامين بين صفحتين أو ثلاث”، حيث يؤدي الكتاب بنفس الوقت دورين رائدين، يعلّم فيه المتعلّمين دروسا ويقدّم إلى المعلّمين مقترحات وتوجيهات للتدريس حيث فصّل الأبواب بدروس قصيرة تسهيلا للطلّاب والمعلّمين معا، ثم اشتمل الكتاب على خمسة أبواب.
الباب الأوّل:
هذا الباب مقدّمة لما يأتي بعده من تعليم المقال، أتى فيه ببعض من المقدّمات مشتملا على قواعد وتمرينات قليلة قبل الشروع في تعليم كتابة المقالات العربية في الباب الثاني، فالباب الأوّل يحتوي على أربعة دروس كاملة، أوّلا: التفصيل ، وثانيا: التجزئة واعتدال الأجزاء، وثالثا: تعيين المواضيع، ورابعا: تفصيل المواضيع.
بالإجمال، يقول المصنّف إن فنّ الإنشاء ليس مجرّد تعلّم النحو والصرف بل يجب أن تبذل فيه جهود جبّارة من قبل المصنّف حيث يتمكّن من القيام بهذه العمليّة بمجموع العمليّات المطبّقة من الفكر والذهن والذوق من قبل المتعلّم[10]، ثمّ إنّ للمتعلّم يجب أن يعلم بعضا من القواعد المترتّبة عليها كتابة المقالات، وأهمّها:
التفصيل والتجزئة: إن مهارة تقصير الجملة وتفصيلها من أهمّ المهارات الّتي يجب أن يتحلّى بها الكاتب، فإنّ جملة واحدة بثلاث كلمات قد تطول إلى سطرين أو أكثر بنفس المعاني، حيث أتى الشيخ بأمثلة ومنها بالاقتصار نقول مثلا “ساعتي غالية” فلو أردنا توسيعها وتبسيطها إلى سطرين لقلنا: “إن ساعتي لا توجد في كلّ دكّان لغلائها وقلّتها وقد أنفقت في شرائها مائة ربية، وهي مصنوعة في أكبر مصانع العالم”[11]
التجزئة واعتدال الأجزاء: ثمّ ما يهتمّ عليه الكاتب هو اعتدال الأجزاء، حيث لو عبّر عن شيء ما فعليه أن يقسّم أجزاءه مرتّبا بالاعتدال والاطّراز، كما لو عبّر بجملة رئيسيّة أوّلا “زيد رجل صالح”، فيجب أن تترتّب عليها الجمل بكل اعتدال وتناسب[12].
تعيين المواضيع: هذا الدرس للتمرينات، حيث أتى المصنّف فيه ببعض من الفقرات وأمر باختيار العناوين الموافقة المتناسبة مع محتوى الفقرة المذكورة، حيث إنّ اختيار العناوين من الأمور المهمة في كتابة المضامين لئلا يكون مما يتنفّر النفس بقراءته بل يجب أن يكون مما يجذب القلب فيقدم على القراءة بكلّ حيويّة ونشاط.
تفصيل المواضيع: ذكر فيه ما يحتوي عليه العنوان من الأمور، حيث قال أوّلا بجعل الكلمات سهلة المآخذ وفصيحة اللسان ومتجنّبة لغرائب الألفاظ والعبارات لتكون الكلمات مما يلتذّ بها السامع، ويجتذب إليها القلوب[13].
الباب الثاني: ثمّ يبدأ المصنّف بالبيان حول كيفيّة كتابة المقالات العربيّة على أحسن وجه، حيث يرى الشيخ بأن كتابة المقالة فنّ تنفرد عن مجرّد مسمّى الكتابات، يرى الشيخ بأنّ المقالة مرتّبة بأصول وقواعد تتوالى فيها كلّ جملة لتؤيّد دعوى الكاتب، حيث تنقسم المقالة العربية على خمسة أجزاء كاملة: 1. الافتتاح 2. الموضوع 3. عناصر الموضوع 4.الاختتام 5.العنوان.
رتّب الشيخ هذه الأجزاء حسب كتابة الكاتب نفسه، حيث رأى أنّ الافتتاح مقدّمة وتمهيد للآتي بعده، ثمّ يأتي الكاتب بموضوع المقال حيث يقوم عليه سائر الإدّعات، ثمّ يترتّب على الموضوع عدد كبير من عناصر الموضوع الّتي تركّز وتقوم مؤيّدا للمحور الموضوع، حتّى تنتهي المقالة بإثبات نتيجة الكلام وخاتمته[14]، حيث أتى المصنّف ما بعده بعدد من الأمثلة كلّها تمتاز وتختلف حسب المواقع والمكان، كما يذكر مثالا عن إحدى المخترعات الصناعيّة وهو السيّارة [15]ويأتي بتمرين حول الطائرة، ويأتي بمقالة نموذجيّة على أحد الحيوانات وهو الجمل ويأتي بتمرين حول الفرس، هكذا تختلف الموضوعات إلى أنّه يأتي بإحدى عشرة مقالة نموذجيّة في مختلف الموضوعات مع ذكر التمرينات المتناسبة عليها، حتّى يبدأ المصنّف بذكر أصول الترجمة[16] في نفس وما بعده يأتي ببعض من الأمثلة النموذجيّة مع التمرينات المتناسبة مع الموضوع.
الباب الثالث:اختصّ الشيخ الندوي هذا الباب لبيان التمرينات المتوالية بلا خلل، إذ رأى أنّ عمليّة الإنشاء تتطلب اشتغالا عميقا وأوقاتا طويلة حيث يتمرّن عليه المتعلّم، فأتى في هذا الباب بسبعة وأربعين تمرينا، ذكر المصنّف عنوان المقال وما يحتاج إليه الطالب بذكر موضوع المقالة وعناصرها وما يترتّب عليها من العناصر والاختتام بنقطة ونقطة، حيث يقوم الطالب بتقديم الكلام بوجه سردي تحليلي في المقال.
الباب الرابع: يحتوي هذا المقال أيضا على عدد من الفوائد واللطائف، حيث ذكر فيه عدد من الموضوعات وكيفيّة كتابة المقالة العربيّة فيها، كما ذكر مقالة نموذجيّة حول الشخصيّة أتى بتمرين فيها، وكذلك أتى بمقالة نموذجيّة عن الهيئة والمنظمّة وأمور هامّة، وكذلك نرى أنّه أورد فيه دروسا عديدة عن كتابة الخاطرة باللغة العربيّة في موضوعات شتّى.
الباب الخامس: هذا الباب أيضا تكملة لما سبق مما يمتاز بذكر عدد من المقالات المختارة لعدد كبير من الأدباء الكبار، كما أتى بمقالة “حياة النبي” لمصطفى المنفلوطي[17]، و”الدين الصناعي” لأحمد أمين[18]، و”أسرة واحدة” للشيخ الطنطاوي وغيرها من المقالات.
نتائج البحث:
قمنا من خلال هذه الدراسة التحليليّة لكتاب “معلّم الإنشاء (الجزء الثالث)” باستخراج عدد كبير من الفوائد واللطائف الّتي لا تشتمل عليها الكتب الأخرى في هذا الموضوع، وقد توصّلنا من خلال هذا البحث الدقيق إلى عدد من النتائج ومن أهمّها:
- دليل شامل: هذا الكتاب دليل شامل للطلّاب والمتعلّمين معا لفنّ الإنشاء، حيث وضع فيه المصنّف دروسا عديدة ويأتي بتوصيات عديدة للمتعلّم في تعلّمه والمعلّم في تعليمه.
- المنظور والتطبيق: إنّ أغلب الكتب في مثل هذا الموضوع يكتفي بذكر واحد من هذين الأمرين، فالبعض يهتم بذكر الأصول والفروع ما لا يفيد المتعلّم شيئا قط، وبعض هذه الكتب تهتمّ على التطبيقات فقط من غير جدوى، أمّا ما فعله المصنّف هو أحسن ما يستطيع المعلّم للمتعلّم من تقديم أصول الكتابة أوّلا ثم الإتيان بالتمرينات المناسبة وقد هدى المصنّف إلى عدد من التوصيات أيضا في إكمال التمرينات، حيث يشغل عن التمرينات سائر المصنّفين ويفعل المتعلّم ما يشاء بلا طريق يهتدي به.
- التربيّة الإسلاميّة: إنّ أكثر مصنّفي فنّ الإنشاء يكتفون بقصص وحوادث حيوانات الغابة ومفترساتها، في حين نرى الشيخ الندوي لم يكتف فقط بتعليم فنّ الإنشاء ولكنّه يربّي الطلبة تربية إسلاميّة رائعة من خلال القصص والمقالات المشتملة على أنواع من القيم والملامح الإسلاميّة النيّرة.
- تقسيم المقالة: قسّم الشيخ المقالة إلى خمسة أجزاء كاملة، وهي الافتتاح والموضوع وعناصر الموضوع والاختتام والعنوان بخلاف ما يقسّم غيره إلى مقدّمة وشكل رئيسي وخاتمة وعنوان، لكنّ الشيخ قسّمها وفق الأغراض وما يتّصل بها من الأمور في المقالة، فرأى أنّ الافتتاح أوّل ما يهتمّ به الكاتب ثم ما يليه تدريجيّا من المواضع والنتائج والعنوان، وقد أخّر العنوان لكي يجعله يحتوي على فحوى البحث بجملة جذّابة رشيقة.
- مفهوم الكتابات الأدبيّة:يتجلّى مما سبق في الكتاب أنّ مفهوم الكتابات الأدبيّة ليس الإتيان بالألفاظ الغريبة والأساليب المعقّدة بل هي كون الكلمات سهلة الفهم فصيحة المعاني بحيث تحمل أغراضا صحيحة ترتبط بروح الإسلام وأخلاقه.
هوامش المقال:
[1]محمد وثيق الندوي، نبذة عن سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، مجلة الرائد، المجلّد: 64، العدد:20، (2023، أبريل)، ص:13
[2]المصدر السابق: ص13-15
[3]محمّد سعود الأعظمي، عرض يسير عن إسهامات الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في الأدب العربي، مجلة الرائد-العدد الممتاز، المجلّد: 64، العدد: 21، (2023، مايو-أغسطس)، ص:148-152
[4]نفس المصدر، ص150
[5] إنطوان طعمة وآخرون، تعليميّة اللغة العربيّة (بيروت: دار النهضة العربيّة، 2006) الجزء الأوّل، ط1، ص13-14
[6] الدكتور رشيد فلكاوي، تعليميّة اللغة العربيّة بين النظريّة التطبيق (مجلة الآداب) العدد: 14، ص52
[7]نفس المصدر، ص62
[8]محمد الرابع الندوي، معلّم الإنشاء- الجزء الثالث (لكهنؤ: ندوة العلماء، 1955) ص13-15
[9]نفس المصدر، ص15
[10]نفس المصدر، ص17
[11]نفس المصدر، ص19
[12] نفس المصدر، ص24
[13]نفس المصدر، ص29
[14]نفس المصدر، 30-35
[15]نفس المصدر، ص36
[16]نفس المصدر، ص81
[17]نفس المصدر، ص177
[18] نفس المصدر، ص181
المراجع والمصادر
- الدكتور رشيد فلكاوي. (بلا تاريخ). تعليميّة اللغة العربيّة بين النظريّة والتطبيق. مجلة الآداب، 52.
- إنطوان طعمة. (2006). تعليميّة اللغة العربيّة. بيروت: دار النهضة العربيّة.
- عبد الحنان الندوي. (2012). حضرت مولانا سید محمد رابع حسنی ندوی- شخصیت اور خدمات. لكهنؤ: كاشان علم ودعوت.
- مجموعة من المؤلّفين. (2001). فنّ الكتابة والتعبير. عمّان: دار الحامد للنشر.
- محمد سعود الأعظمي. (2023). عرض يسير عن إسهامات الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في الأدب العربي. مجلة الرائد، 64(21).
- محمد وثيق الندوي. (2023). نبذة عن سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي. مجلّة الرائد، 64(20).
- AFM, S. (2011). Indian contributions to Arabic literature _ a study on Mohd Rabe Hasani Nadwi. Assam University. Retrieved from http://hdl.handle.net/10603/92992
- Ahamed, M. (2012). A study on Arabic prose writers in India with special reference to Maulana Muhammad Rabey Hasani Nadwi. Gauhati University.
*طالب الماجستير، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية
Leave a Reply