+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

إنعكاس ثقافة شمال الهند في رحلات الشيخ محمد بن ناصر العبودي
*محمد حسين

الشيخ محمد بن ناصر العبودى (من مواليد عام 1930م الموافق 1345ه) من الرحاليين الذين رحلوا إلى الهند وكتبوا عن مشاهداتهم و تجاربهم عن الثقافات الهندية وحضاراتها، فقد نال شهرة فائقة بين أقرانهم وخلف وراءه آثارا رائعة وأعمالا قيمة لها دور في تطوير العلوم والفنون الأدبية من التاريخ والجغرافيا والرحلات. إنه زار الهند في العصر الحاضر عدة مرات، وجمع المعلومات والمعرفة عنها، ثم نسخها و رتبها في شكل الكتب، وقد بلغت سلسلة رحلاته الهندية إلى سبعة عشرة رحلة.

رحلات الشيخ العبودي:

قد قررت حكومة الملك فهد والسفارة السعودية بإرسال وفد إلى بلدان غير عربية لكى تطلع المملكة العربية على أحوال المسلمين الاجتماعية والدينية فيها. فعلى رأس هذا الوفد، قام الشيخ الناصر العبودي برحلاته إلى معظم أنحاء العالم، وساهم مساهمة كبيرة في فن أدب الرحلات، و ترك لنا ثروة طائلة  في تراثنا  الأدب العربي، وبلغ عدد كتبه أكثر من مائة وخمسين 150 كتابا في أدب الرحلات بين المخطوطات والمطبوعات، وكان لديه أكثر من ستين 60كتابا ينتظر الطبع و النشر. يغلب علي رحلات الشيخ العبودي الأسلوب التقريري الجاف بالرغم من قدرته اللغوية على التصوير والإبداع في وصف المشاهد و المظاهر، وامتلاكه الذوق الأدبي الرفيع لأنها تصطبغ بصبغة دينية إذ كان الهدف وراء تلك الرحلات استكشاف حال المسلمين في أقطار الأرض والمعرفة على واقعهم واحتياجاتهم، ولا شك في أنه بذل جهدا عظيما في ذلك، وكان يسعى للوصول إلى الأقليات المسلمة، والتركيز على حالتهم المؤلمة. والتعبير  عن مشاكلهم و تعصبات الحكومة لهم في ولاياتهم.

إن الشيخ العبودي يتناول القضايا الإنسانية والمظاهر التى لاتتفق مع المبادئ والرؤية  الإسلامية، على سبيل المثال فإنه يتحدث عن الأطفال المشردين في مدغشقر ويصور تصويرا دقيقا عن أحوال المسلمين في بلدان الأفريقيا. كذلك يذكر  العبودي في كتابه ” مع المسلمين البولنديين”  في نظرته الأولى التى تكررت كثيرا في هذه البلاد واصفا حسن النساء هناك قائلا: ” أنهن على غاية من الجمال فهن من جنس السلافي الذي يسميه أسلافنا العرب بالجنس  الصقلبى و الغريب في الأمر  أنه بالنظر إلى جمال التقاطيع في وجوههن و النضارة أو  اللون وردى الذي يميل إلى اللون الذهبى في سحنهن “.[1]  ثم يقول عن المرأة الفرنسية ” وما رأيت في كثرة ما جلت عليه من أنحاء العالم مثل المرأة  الفرنسية  في رقتها إذا استلقت رجلا ، وفي صنعتها وفي وجهها إذا جملته ، ومن إتقانها لعملها إذا أحبته”. [2]

رحلاته إلى الهند:

قام الشيخ العبودي بسلسلة من الرحلات إلى الهند و كتب ما رأى في الهند من ثقافة، علم، و قد  بلغ عدد سلسلة رحلاته الهندية سبعة عشر رحلة (17).

  1. – محمد بن ناصر العبودى : سياحة فى كشمير و(حديث عن ماضى المسلمين و حاضرهم) صادر عن رابطة العالم الإسلامى، الطبعة الأولى 1991 م- 1412هـ.
  2. – فى غرب الهند (مشاهدات وأحاديث فى شؤون المسلمين ) الصادرعن رابطة العالم الإسلامى، طبعة عام 1417 م.
  3. – نظرات فى شمال الهند الجزء الاول، نشرته فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، 2003 م – 1424 هـ .
  4. – نظرات فى شمال الهند الجزء الثانى، نشرته فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، 2003 م – 1424 هـ .
  5. – فى أقصى شرق الهند ، طبعته فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية ، 2001 م – 1423 هـ .
  6. – الشمال الشرقي من الهند، (رحلته فى ولايتى بيهار واترابراديش وحديث عن المسلمين) طبعته فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية ، 2001 م – 1432 هـ .
  7. – فى وسط الهند،(رحلات واحاديث عن ماضى المسلمين و حاضرهم) طبعته فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية ، 2007 م – 1428 هـ .
  8. – فى جنوب الهند : رحلات فى ولايات تامل نادو و كرناتك ، طبعته فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية 1997 م – 1417 هـ  ب – الرياض .
  9. – راجستان بلاد الملوك، ( زيارة و حديث عن المسلمين ) الطبعة الأولى عام 1997 م 1417هـ .
  10. – الإعتبار فى السفر إلى مليبار وهو مطبوع .
  11. – سیاحة فی کشمیر الصادرعن رابطة العالم الإسلامى، طبعة عام 1417 م.
  12. – جول في جزائر البحر الزنجي أو حديث عن الإسلام والمسلمين في جزرالمحيط الهندي.
  13. –  فى شرق الهند .
  14. – على أعتاب الهملايا .
  15. –  بلاد الهند و السند: باكستان .
  16. –  الشمال الغربي من الهند .
  17. –  في شمال شرق آسيا.

يتحدث الرحالة عن صورة الثقافات الهندية وتقاليدها السائدة بين عامة الناس فى هذه سلسلة الرحلات الهندية  واستجمع فى نفسه وذهنه صورة حتمية مستقلة للحياة فى أطراف الهند.

رحلاته إلى شمال الهند:

لا يمكن لى أن أقوم بالتركيز على جميع رحلاته إلى الهند في هذا المقال المختصر، بل أريد أن اتناول رحلاته إلى شمال الهند أو الشمال الشرقي من الهند.  كتب الشيخ العبودي ثلاث رحلات فيما يتعلق بشمال الهند و هي “نظرات فى شمال الهند الجزء الاول”، و”نظرات فى شمال الهند الجزء الثانى”، و “الشمال الشرقي من الهند”.

كتاب “نظرات في شمال الهند الجزء الاول ” يعد من أهم رحلات الشيخ العبودي و يتحدث عن الأماكن التاريخية والمراكز الدينية الهندوسية التى زار بعضها بالقصد وبعضها مرورا في الطريق بدون القصد. يشتمل الجزء الاول على 212 صفحة  ونشرته رابطة العالم الاسلامي عام 1417هـ. يذكر المؤلف في هذا الجزء غرائب الهند من المعتقدات والعادات القديمة، وذكر فيه عن تاريخ وأد البنات في الهند ومكانة المرأة بين الماضي والحاضر وناقش الأوضاع السياسية و أسبابها مع ذكر المؤسسات و المنظمات الطائفية في الهند.[3]

ولكتاب ” نظرات في شمال الهند الجزء الثانى” أهمية كبيرة بين المثقفين والعلماء، فقد جمع المؤلف فيه ما أحس في قلبه و ما علم من الحقائق التاريخية خلال زيارته التى قام بها عام 1977م، وقد نشرت طبعته الاولى مكتبة الملك فهد الوطنية عام 2003م. يحتوي هذا الكتاب 234 صفحة ، وهذه الرحلة تتضمن على مقدمة وجيزة تصف غاية زيارته للهند وهو توفير المعرفة الثقافية، والمعلومات التاريخية للعرب لتتحسن العلاقات الثقافية بين البلدين و سكانهما. ويتحدث الرحالة عن نظام الطبقات الهندية و دياناتها التقليدية و أقسامها و نتائجها وتأثيرها على المجتمع الهندي، وقد تاثر من الوحدة الهندية في التعددية وتعدد لغاتهم باختلاف ثقافاتهم ولم يقف المؤلف بذكر الديانات والعادات الهندية فحسب، بل ذكر فيه تاريخ دخول الاسلام في الهند، وأحوال المسلمين الرذيلة والسيئة وعدد سكانهم في البلاد، وذكر فيه عن التعصب الهنوسي ضد المسلمين، والاضطرابات الطائفية المتطرفة ، والعنف الطائفي في أطراف البلاد.

وأما رحلته “الشمال الشرقي من الهند” هى رحلة في ولايتي بيهار و أترابراديس، وحديث عن المسلمين في هذه المناطق، ويشتمل هذا الكتاب على 204 صفحة ويعد من أهم رحلات العبودي. إنه قام بهذه الرحلة 1977 م وقد قامت بنشره طبعته الأولي مكتبة الملك فهد الوطنية عام 2001 الموافق 1422 هـ. وتوفر هذه الرحلة المعرفة الثقافية و التاريخية لتتحسن العلاقات الثقافية بين البلدين و أهاليهما. ولذلك أن الرحالة العبودي قد أفرد الكلام في وصول المسلمين الاولين في الهند وتاريخ ثقافتهم الماضية و قام بربطها بالعصر الحاضر.

وصف الشيخ العبودي حياة الناس في الشمال الشرقي من الهند بأنها “أقل من القليل” من الحياة التى يراد بها التمتع بما فى حياة الدنيا من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، أن بعض الناس يلبسون فوطة صغيرة وليس لديهم ثوب آخر لستر عوراتهم الغليظة. وهذه الأحوال كانت موجودة عند الملائيين حتى لاتكون المبالغة بأن يقول أن الناس لايتمتعون بعشائيش الحياة وحتى لايقدرون على أن يشربوا الماء النقي أو يبدو نقيا. ويشربون من بقايا الأمطار وماتحفظه لهم الأرض الطيبة من مياه. وذكر عن بقع أو حفر المياه المتجمع تغتسل النساء ويغسلن ملابسهن وأطفالهن يغتسلون فيه ولا يعتنى به ويتغير لون المياه حتى أصبح أخضر اللون ويستقي الناس منه الماء الذي يكون سببا للأمراض الخطيرة في أغلب الأحيان.

 وذكر العبودى بأن علامة الفقر والمساكين يبدو على النساء الهنديات وهن يعملن فى المباني مع الرجال وليس المراد بذلك أنهن ينجزن من العمل المعماري ما ينجزه الرجال، وإنما المراد أنهن يعملن فى هذا الميدان ويتقاضين على ذلك كسبا بسيطا لايكفى لمعيشتهن، وشاهد الرحالة مثل هذه الحالة  فى عدة ولايات هندية لعل توجد هذه الأحوال أكثر من غيرها فى ولاية بيهار، وقال بعض من الأصدقاء من الهند للشيخ العبودى أن أجرة العاملة الواحدة لاتتجاوز ما يعادل ريالا سعوديا أونصف ريال أو ريالين .

ويتحدث الرحالة عن فقرهن الواضح الذى أجبرهن على هذا العمل الشاق بأجر زهيد وتافه، وهن يرتدين اللباس الهندي التقليدي للمرأة وهو “الساري” الذى يصل أسفله إلى الأرض، وأظهر إعجابه حين رأى الشيخ شيئا غريبا في مدينة بومبئ لم يراه في أي مكان آخر من العالم وهو مساكن الأرصفة، وهى مساكن مصنوعة ومؤقتة، فعدد كيبر من الناس يعيشون طول حياتهم على أرصفة الشوارع ليس لهم من المساكن إلا خيشة أو قطعة من الورق المقوى (الكرتون) يفترشونها أو يجعلونها كالصندوق الكبير الذي تراهم في أكثر المدن الهندية وأما مكان قضاء حاجاتهم فإنه الأماكن العامة أما الطعام فإنه ما تيسر، وأما اللباس فإنه الذى على الجلد ليس غيره. [4]

وفي جانب آخر، قد اعترف العبودى بتقدم الهند وإزدهارها أيضا بأن جماعة كبيرة من الهنود أصبحوا خبراء فى البحوث العلمية المتقدمة في الذرة وصناعة الصواريخ والطائرات الجوية بالجودة العالية ووصلوا إلى تصنيع السلاح الذري والصواريخ بعيدة المدى وهم قاموا بتطوير الذرة بالفعل وملكوا السلاح الذري والدبابات وغيرها من الأسلحة الحديثة. ويطرح الكاتب في ذلك السياق تساؤلا عما إذا كان من الأول حل مشكلات أولائك الجياع الذين لا ملجأ لهم ولا مأوى بدلا من أن ينفقوا أموالا طائلة على تلك البحوث.[5]

أحوال المرأة الهندية:

ذكر الرحالة عن المعتقدات المريرة التاريخية الهندية بأن على المرأة التى يموت عنها زوجها أن تدخل النار التى يحرق فيها جسده وهى حية حتى تحترق مع جثته إذ الزوج الميت لا يحس ولا يشعر بألم الحرق، وأما زوجته ربما تكون شابة أو عجوزا يجب عليها ان تتبع التقاليد الهندوسية فتدخل النار حية لتموت معه وتحترق جثتها مع جثة زوجه وفق الديانة الهندية، والمرأة التى يموت عنها زوجها كان أمامها طريقين إما أن تصبح عاهرا أو أن تقضي بقية حياتها بائسة بلا مأوي ولا دخل، فلا أحد يرضى أن ينفق عليها .[6] استمر هذا العمل المفجع حتى استقلال الهند ولكن البعض يمارس هذه العادة البغيضة سرا  في بعض الأماكن الهندية حتى الآن.

و ذكر  الرحالة عن مشاهداته و تجاربه عن حرق الميت في ضفة نهر غنغا أو قانقا، فأن الناس جمعوا الحطب من كومة كبيرة معدة لحرق الميت، ثم يصفونه على الأرض صفا طولا وعرضا، ويحملون منهم الميت و يغمسوه في ماء نهر غانغا ليطهروه من الذنوب في معتقداتهم، ثم يحملونه ويضعونه على هذا الحطب المصفوف ثم يصفون فوق الميت حطبا آخر حتى يغطونه كاملا، وكذلك يتمون الناس عمليات حرق الميت في الديانة الهندوكية. كما هو يقول : “فوصلنا ورأينا ميتا قد قارب أن يتم حرقه ، وبجانبه رجل عار من كل شئ إلا حرقة على وسطه مع عوج كبير من الحطب يقلب بقايا الميت على النار ويضرم بقايا الحطب ويرد ما خرج منه إلى وسط النار  ، إنه يقلبه بعوده حتي يتم حرقه و يستريح منه بعد عملية مجهدة تستمر ثلاث ساعات متكاملة أمام نار مشتعلة”. [7]

وأد البنات:

يتناول المؤلف وأد البنات وشرب بول البقرة وعبادة البقرة وغيرها من ذلك كما هو يقول: إننا نقرأ فى الجرائد والصحف والأخبار عن قتل البنات فى بطن أمها أو عند ولادتها. وإذا كانت الأرملة تحرق حية فإن الهنود حكموا على الرضيعات بالوأد عند ولادتهن، ونشرت الإحصاءات و المقالات عن عدد البنات الموؤدة في الهند، والعجيب أن أكثرهم كان بين الطبقات الغنية أكثر من الفقيرة ثم إنتشر هذا الوباء فى الأعوام الآخرة إلى الطبقات الأخرى من  “بهومى هار، و يادو،و كائستة حتى البراهمة أيضا اتخذت هذا التقليد الغليظ ، حيث بلغ عددهن أكثر من ألف بنت سنويا في ولاية بيهار وحدها، فهم يقتلون الفتاة إما بوضع الملح في فمها أو أى مادة سمية أخرى، وإن لم تمت بهذا تخنق حتى تموت.[8]

الديانات  والمعتقدات الهندية:

فى الحقيقة لدي الهند أديان كثيرة ومذاهب عديدة حتى يختلف بعضهم عن بعض آخر، فأهل وسط الهند وشمالها يقدسون رام ويعبدونه ويسمونه، و هو من أكبر الآلهات، وبالعكس أن أهل الجنوب وأطرافها يقدسون راون ويعبدونه وهو شيطان عند أهل ووسط الهند والشمال. وهم يجعلون تماثيل من الخرق والحشيس لراون ليحرقوه مع أنهم من الديانة الهندوسية في عيدهم ( دسهيرا او دورغا بوجا)

قد ألقي الشيخ العبودي النظر إلى تعدد الآلهة و تماثيلها في الهند، ورأى الناس و طريقة عباداتهم، فبعض منهم يعبدون الجذور، وبعض منهم يقدسون فرج الذكر والأنثى لأنهما سبب الوجود (شيو لينغ)، وبعض منهم  يعبدون الحية والأسد، حتى أن فئة من بينهم تعبد صنما يسمونه “مهاكال” وأن له أربعة ايادى وذو شعر كثيف، وعارى البطن وعلى ظهره جلد فيل يقطر منه الدم. والبقرة من أبرز الألهة التى يعبدها كثير من الهنود ويقدسونها لدرجة حتى لا يقدمون على ضربها أو اعتراض سبيلها، بل أنهم يشربون أبوالها، ويتمسحون بها للتبرك. و لكن ذلك التقديس لا يجري على الثور أو وليد البقرة وإنما يستخدمونه لجر العربات و نقل حاجاتهم.[9]

ويعتقد المؤرخون أن عقيدة تقديس البقرة وليدة أفكار البراهمة المحدثين الذين كتبوا عدة كتب في ممانعة لحم البقرة ووصفوها بأم مقدسة في زمن بعيد، وهذه الفكرة البرهمنية تحولت تدريجيا إلى عقيدة هندوسية، ولكن ليس من المعقول أن تنفذ فكرة معينة على الآخرين إجباريا ولاسيما في الهند باعتبارها أكبر دولة ديمقراطية في العالم، ويحق لكل مواطن الحرية الكاملة دستوريا في ملابسهم ومآدبهم ومآكلهم، وبالرغم من كل ذلك يتعرض المنبوذون والمسلمون لاعتداءات الهندوس المتطرفين مرارا وتكرارا في بعض الأمكان في الهند حتى تسيطر إرهابهم على المدنيين السذج إلى حد بدأ الناس يخافون من تناول اللحوم حتى لحم الشاة والدجاجة.

قد قدم المؤلف شيئا من الكلام عن عبادة البقرة فى الهند واستدل العبارة التى كتبها أبوالريحان البيرونى رحمه الله قبل ألف سنة فى كتابه “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة “.[10]

إن السياسة في الهند على اسم البقرة كانت موجودة في عهد الإنجليز واستخدم الهندوس المتطرفون اسم الديانة والطبقة كآلة سياسية لإثارة الاضطرابات الطائفية ، وفي أواخر القرن التاسع عشر إندلعت الاضطرابات الطائفية واحدة تلو الأخرى على اسم البقرة. وفي عام 1882م تم إنشاء منظمة حماية البقرة على يد مؤسس جماعة آرية ” ديا نند سرسوتي” وهكذا بدأ المتشددون الهندوسيون توسيع الفجوة بين الناس،  ولم يدخروا وسعا في القتل والدمار على اسم الديانة والطبقة والبقرة والمعبد.

وبلغ سيل الزبى وطم الوادي على القرى اليوم في حكومة حزب بهارتيا جانتا، كما يقول تقرير وكالة  NCRB الصادرة في”The Hindu”30/ أغسطس 2016، إنه في عام 2015م وحده حدث 65255 صراعا عنيفا .  وفي هذه الحكومة يقتل المسلمون ويضرب المنبوذون علنا أمام الشرطة والضباط، وتلزم الحكومة بالسكوت و لايعاقب المجرمون ولا تكاد تجري المحاكمة العادلة ضدهم.[11]

نظام  الطبقات الهندية:

يتناول المؤلف نظام الطبقات فى الهند ويذكر ثقافاتهم وعاداتهم الهندوسية، وينبغى لكل واحد أن يتعرف على هذه الطبقات التى يعتمد المجتمع الهندى عليها، لأن الهندوس فهم على أربعة أقسام. الأول: البراهمة ويقال الكهنة ولهذا القسم الأول تقدم على بقية الأقسام فى جميع الأمور. والثانى: الجندر، ومن هذا القسم الملوك والحكام. والقسم الثالث: وهم التجار والفلاحون الذين يزرعون حقولهم. والقسم الرابع وهم من أصحاب الصنائع ومن رجال الأعمال من كل نوع. وهذا القسم ينقسم إلى عدة أقسام باعتبار الصناعة والعمل. وجميع هذه الأقسام لايختلط بعضها ببعض أصلا ولا يمكن لمن ولد فى إحداها أن ينتقل إلى طبقة أخرى. ثم نقل المؤلف الشيخ العبودى هذه العبارة التى قالها “باسديو” حين سأله “أرجن” عن طباع الطبقات الأربع وما يجب أن يتخلفوا به من الأخلاق، فأجابه يجب أن تكون البرهمن وافر العقل، ساكن القلب، صادق القول وصادق اللهجة، ظاهر الاحتمال ضابطا للحواس، مؤثر العدل، وبادى النظافة، مقبلا على العبادة مصروف الهمة إلى الديانة. وقال عن “كشتر” يجب أن يكون كشتر مهيبا فى القلوب، شجاعا، متعظما، ذلق اللسان سمح اليد غير مبال بالشدائد، حريصا على تيسير الخطوب. وقال عن “يش” مشتغلا بالفلاحة واقتناء السوائم والتجارة. وقال عن “شودر” مجتهدا فى الخدمة والتملق، متحببا إلى كل أحدها وكل من هؤلاء إذا ثبت على  رسمه وعادته نال الخير فى إرادته إذا كان غير مقصر فى عبادة الله، غير ناس ذكره فى حل أعماله، إذا انتقل عما إليه إلى طبقة وإن شرفت عليه كان إثما بالتعدى فى الأمر.[12]

مدينة بنارس و غرابتها:

إن وجه تسمية بنارس مأخوذ من كونها تقع  بين نهرين، أحدهما يسمى بارنا، والآخر نهر الكنج، الذى يوجد على ضفته مكان يسمى السى،لذلك قيل (بارناسي) التى تحولت إلى بنارس.

فهى مدينة مشهورة في الهند ، لكونها عاصمة دينية للهنادك، وقعت على الضفة اليسرى من “كنك” وهى مدينة البراهمة ، فيها كثير من الهياكل عددها ليس أقل من ألف هيكل، و أشهرها هيكل “شيو “الذهبي، وهيكل “دركاكند” هو هيكل القردة المقدسة عند الهنادك، وهم يحجون إليها من أقطار البلاد، ويزعمون أنه من مات بها نجا لا محالة، وهى مركز لتجارة متسعة في الشيلان و البفتة ، والألماس وغيرذلك .[13]

 إن الرحالة العبودي زار مدينة بنارس وأطرافها فشاهد أهاليها و ثقافاتها  القديمة  حتي أعجب بصبح بنارس  (فهو الصبح الذي يعرف في التاريخ الهندي لنوعه الأبداعي ولغرابته ولحسنه )  فهو أروع من تصوير صبح بنارس وقام بتوضيح صبح بنارس فإن له تفسيرين : أحدهما منظر طلوع الشمس علي نهر غنغا في بنارس و سجود الهندوس لها ، و هذا التفسير هو تفسير عامتهم. والتفسير الثاني هومشاهدة نساء الهندوسيين وهن ينزلن في النهر يغتلسن في الصباح ويتعبدن بذلك و يتبركن بمائه المقدس عند الهندوسيين، وإن هذا هو تفسير الشعراء و الأدباء لهذا المثل. وما لا شك فيه أن صبح بنارس هو عجيب وغريب ورهيب، وكان شاطئ نهر غنغا غاصبا بالناس وأكثرهم جاؤوا لكي يعبدوا آلهاتهم المتعددة فيه و أقلهم من السياح الأجانب الذين جاؤوا ليشاهدوا هذه المناظر البهيجة والطقوس الغربية ، منها السياحون الأوروبيون الذين يتهندوكون و يلبسون ملابس الرهبان من الهنادك ويجلسون متربعين واضعين أيديهم على ركبتهم مستقبلين الشمس متعبدين لها مثلهم . ومن غرابتها عبادة الشمس عندما أشرقت الشمس علت أصواتهم و أخذوا يومئون بالسجود للشمس إيماءا رافعين أكفهم إلى ما تحت الوجه كما يفعلون في تحيتهم الهندية العادية وغيرها من العادات الوثنية الهندوسية .[14]

إننا عرفنا أن مدينة بنارس مقدسة للهنادكيين ويسمونها المدينة المقدسة (هولى سيتي)  وتوجد فيها كثرة المعابد الهندوكية بين أثناء زيارته   فطلب الرحالة من أصحاب المعابد أن يروه أحد المعابد من الداخل ، ولكن لم يسمحوه للدخول في أى معبد وقالوا “إن  آلهتهم تهرب إذا دخل المعابد غريب أو غير هندوكي لأن غيرالهندوكي نجس،فهى تهرب منهم لهذا السبب، ومن الطبيعي في هذا المنطق المعوج أنهم لا يريدون أن تهرب ألهتهم من معابدهم فتبقى خالية من جماعة الآلهة” وهذه من معتقدات الهندوكيين وذكر القصة التى حدثت في نيبال بنسبة هذا الاعتقاد غير المعقول.[15]

الحياة الريفية في أطراف بنارس:

قد زار المؤلف سوق دال مندى، وهذا سوق تجاري معروف بأنه للتجار من المسلمين ، ولا يزال المسلمون تقدما في التجارة في هذا السوق في الشارع الجديد (ني سرك) ومن أشهر أشياء هذا السوق منار مسجد حافظ خدا بخش والمنار نظيف المظهر  أيضا.

السوق نظيف جدا، ومرتب وأكثر المعروضات فيه من الأقمشة و هناك حوانيت في أطرافه لغير الأقمشة . يقع هذا السوق في وسط المدينة القديمة، وهو مزدحم جدا بالناس لأجل السياحيين الأوروبيين والأمريكيين والتجار الذين يأتون إليه من الولايات المجاورة. تتوفر هناك السلع والبضائع التى لا توجد في غيره من السوق ولذلك يأتي إليه الناس من بعيد.

وأما وسائل النقل فيه فهو الفيضان الضخم من عربات الركشا و الدراجات النارية ودرجات هوائية معتادة يحمل صاحبها بها الناس بالأجرة و يسوق بهم برجليه.[16]

وكذلك زار العبودي منطقة أكثر سكانها من الهنادك، وإسمها (دسا سميد)  وهذا السوق أيضا متنوع المعروضات ولكن معروضاتها ليست بمثل سوق “دال مندى”. قد شاهد في هذه المنطقة كثرة البقرة التى ترسلو لكى تأكل من فضلات الخضروات و غيرها من الفضلات الأخرى التى يعطيها بعض الناس من أشياء تأكلها لكونها معبودة أ ومقدسة  لدى الهنادك المجافظين .

قد وجد الرحالة مناظر هذا السوق غربية حقا من مختلف أنواع الثياب وسحن الناس و ملابسهم التى تظهر  نظيفة و جيدة و ممتازة.  ووجد الناس يأكلون التنبول بكثرة ولذلك السبب قد احمرت أفواههم ويبصقون بصاقهم في الشوارع المزدحمة التى سببت بغلظة شوارع السوق، ومن محسنات هذا السوق توجد فيه كثرة الخضروات والبقول وباذنجانا بنفسجى اللون والبامياء ،وكل الخضروات رخيصة الثمن .[17] ويجدر بالذكر هناك أن البراهمة و المتدينين من الهنادك لا يأكلون اللحوم ولا البيض و لا الأسماك، وإنما يأكلون البقول والخضروات بذلك تكثر عندهم كثرتها.

مشكلة الطعام:

هذا من الأمر الطبيعى بأن كل السياح و الرحالة إذا وصل إلى بلد فإنه يريد أن يأكل من طعام ذلك البلد، وبخاصة في الهند التي توجد فيها أنواع مختلفة من الطعام ،والمأكولات و المشروبات  في مختلف المناطق الهندية. ولكنه واجه المشاكل الكثيرة في الأكل لأن الطعام الهندي إذا لم يكن فيه فلفل لم يكن هنديا ، واعترف المؤلف لا يوجد فيه الطعام بدون الفلفل فهو الذي يسبب لذع اللسان و شوي البطن، والسبب الذى يتعلق بأهل الهند والفلفل الحار إلى درجة لا يستطيع  أن يتحمل غيرهم شدة حرارته، و بدا يفكر كيف يصبرون عليها، فهم يكثرون من الفلفل الحار في الطعام ، بل يسرفون فيه. وإضافة إلى ذلك أن الناس في الهند يكثرون من الدسم الثقيل في طعامهم بحجة أنه يلطف من تأثير الفلفل على الحلق و المعدة ، واختلف الرأى فيه ولم يتفق لأن كل إجاباتهم ظنية غير مبنية على أسسس علمية من البحث و التحقيق العلميى.

وقال الرحالة السبب الرئيسي  في الأصل سبب صحي وهو أن أرض الهند أرض ندية رطبة و بخاصة في أيام مواسم الأمطار وأوقات فيضانات الأنهار، فتنشأ عن ذلك مستنقعات فيها جراثيم متنوعة ، الفلفل بطبعه قاتل لبعض أنواع الجراثيم غير الفتاكة ،ولذلك يوضع مع بعض الأطعمة المحفوظة فاعتاد الناس على ذلك لهذا السبب.[18]

الأماكن التاريخية والمؤسسات الدينية:

ذكر المؤلف فى مقدمة الكتاب أسباب زيارته إلي هذه المنطقة من الهند بأن القادة السعوديين يسعون إلى مساعدة الإخوة المسلمين فى أنحاء العالم وقدخصصوا لهم مبلغا كبيرا لهذا الهدف السليم. وذكر فيها عن دور رابطة العالم الإسلامى بكونه أمينا عاما للرابطة لكى ينفذ تلك المبالغ التى تتعلق بالتعاون مع الإخوة المسلمين فى الهند من دون إبتغاء إلى نفع سياسي أو إعلامي كما يقول المؤلف محمد العبودى: “كان لى نصيب من إيصال الخيروالمنو من بلاد الحرمين الشريفين إلى أولئك الإخوة فى الدين، حتى زرت الولايات الهندية من أقصى الشمال فى كشمير إلى أقصى جنوب الهند فى كيرلا، تامل نادو، وفى شرقيها ولاية أوريسا، وقربها بنغال، وإلى غربها فى ولايات مهاراسترا وغجرات وراجستهان” وذكر فيه الأحوال السياسية للمسلمين وعدد سكانهم لأن المسلمين يزيدون على مائة مليون نسمة وهم أكبر أقلية مسلمة فى العالم بعد أندونيشيا.[19]

إن الرحالة العبودي قام بالزيارة إلى مراكز الثقافة الاسلامية والمؤسسات الدينية، ومراكز الثقافة الهندوكية والمعابد التاريخية في كلتى الولايتين، ومنها مكتبة خدابخش خان  فقد أعجب المؤلف بزيارتها وكتب عن تاريخ تأسييس مكتبة خدابخش ودورها الثقافي الذى لايزال يلعب في ترويج  الثقافة الإسلامية في الهند منذ تأسيسها. فهذه المكتبة غنية جدا بالمخطوطات العربية والفارسية، وقام بتأسيسها خدا بخش خان في عام 1891 م و جمع فيها مازاد على إثنى عشر ألف مخطوط، وأصدرت المكتبة فهرسا مفصلا باللغة العربية والإنجليزية في عام 1905م في ثلاثة أجزاء.[20]

ثم قام بزيارته إلى المؤسسات الدينية  والمعاهد التعليمية، ومنها “الكلية الملية للمسلمين” الواقعة في مديرية دربانغا، وهى من أهم مراكز المسلمين ويتوفر التعليم فيها علي مستوى جامعي وشهاداتها مقبولة لدى الحكومة الهندية للحصول على الوظائف. وكانت هذه الكلية قد بدأت عام 1959م، وتخرج فيها عديد من الطلاب الذين يشغلون وظائف مهمة في المجتمع. إنه قام بالزيارة إلى “دار العلوم الأحمدية السلفية ” التى قام بتأسيسها الشيخ عبد العزيز رحيم آبادي عام 1918م لإصلاح معتقدات المسلمين من الأوهام الوثنية والخرافات المتصوفة. فهو مازالت ولا تزال تلعب دورا مهما في نشر العقائد الإسلامية الصحيحة منذ تأسيسها، والجدير بالذكر أن خريجيها انتشروا في أرجاء الهند كلها وأصبحوا ذا مناصب مرموقة في المجتمع الهندي والذين يقومون بدورهم الريادي في مختلف نواحي الحياة، وفي مجال العلم و الأدب، وبعض منهم أصدروا مجلات و جرائد إسلامية تهدف إلى تربية المسلمين وتهذيبهم حتى تفتخر بهم الأحمدية السلفية و الإكاديميات الأخرى فلله الحمد و له الشكر الإمتنان على كل هذه النعم . [21]

فإن الرحالة العبودي يسلك مسلك أهل الحديث وهو من متبعى الجمعية السلفية و بذلك السبب أن جماعة من علماء أهل الحديث وكانوا يدللونه في زيارته  إلى بعض المدارس السلفية الإصلاحية في مدينة بتنة، منها الجامعة السلفية الإصلاحية في بتنة فهى ليست جامعة بالمعنى الحقيقي والإصطلاحى في البلدان العربية والأوروبية، وإنما هى مدرسة ثانوية ومتوسطة ولكن المسلمين يسمون أمثال هذه المدارس جامعات ولم يصل مستوى الدراسة فيها إلى المرحلة الجامعية، وبمناسبة قدوم الشيخ العبودي قامت المدرسة بمهرجان الجامعة اللاصلاحية في مخيم ضخم واسع على أرض مرتفعة عن الشارع التى تمتلكها المدرسة، ثم جاء دوره وألقى محاضرته الشاملة لأهل الهند ومواطنيها .

كما هو يقول : ثم جاء دوري لألقي كلمتي، فألقيت كلمة بينت فيها بعض  ما قدمه علماء اهل الهند للغة العربية و العلوم الإسلامية، ثم طلبت منهم ان يتعاونوا مع مواطنيهم في هذه البلاد من غير المسلمين فيما ينفغ الوطن دون أن يكون في ذلك تفريط بشيئ من أمور الدين الاسلامي.[22]

كما أننا نعرف بأنه الرحالة مأمور إلى البلدان الأخرى من قبل رابطة العالم الاسلامي بأن المملكة العربية السعودية تساعد مساعدة ثقافية خالصة لا مساعدة سياسة. وقال السفير السعودي صالح الصقير الذى اصطحبه في الرحلة “إن أى شئ يحصل للمسلمين في أى بقعة من بقاع العالم يجد صداه في مكة المكرمة و المدينة المنورة، بأن المسلمين بالمملكة وغيرها من البلدان الإسلامية، فإنهم يفرحون لما تفرحون به، و يحزنون لما تحزنون له. وكان يحمل مبلغا كبيرا من الملك خالد إلى هذه الجامعة قدره مائة ألف ريال سعودي وأعطاه إلى مسؤولي المدرسة بدون إعلان رسمي خوفا من اشتعال أعداء الإسلام و المسلمين ضدهم و سوء الظن عن أهاليهم والمواطنين المسلمين.

مدينة باتنا:

بتنا-وكان إسمها القديم عظيم آباد، وباتليبوترا أيضا-هى مدينة هندية تقع إلى غرب شبه القارة الهندية و تعتبر ثاني أكبر مدينة هندية في شرق الهند من حيث عدد السكان، و هي من أقدم الأماكن الأثرية في العالم. قد توجه الرحالة العبودي إلى المسجد الجامع القديم الذى يقع في أحد أحياء المسلمين اسمه “تنموهية” وتم تأسيسه في عام 1180 هـ وهو مبني بعقود من الأجر فوقها أسقف الخشب غير مرتفعة، وجمع المعرفة عن المساجد التى تقام فيها صلاة الجمعة، فعددها يتقارب من عشرة مساجد و كان المساجد الصغيرة يتقارب ويزيد على مائة مسجد. و واجه الرحالة مشاكل في المشي لأن سيارته لم تقف عند باب المسجد بسبب ضيق شارعه، و سار ماشيا على الحجارة الكبيرة والصغيرة و بعضها مرصوفة بالآجر غير المتقنة بل كانت متعثرة للمارة.

 ثم قام بزيارة المدرسة الأيوبية للبنات وهى مدرسة إسلامية أوردية بمعنى أنها تدرس اللغة أردوية وتدرس العلوم الإسلامية في اللغة الأردية فهى تعتبر لغة المسلمين في هذه البلاد، قد أخبره أهالي المدرسة بأن عدد الطالبات في هذه المدرسة يزيد سبعمائة طالبة كلهن من بنات المسلمين، وطلبوا منه مساعدة على بعض مشروعات المدرسة فوعدهم بدراسة طلبهم. و تنقسم المدرسة إلى القسمين: القسم الاول هو القسم القديم، و القسم االثاني هو القسم الحديث الذى تم بناءه بمساعدة الحكومة الليبية عمر القذافي. [23]

وقام مسؤول المدرسة بعقد حفلة بمناسبة هذه الزيارة، فإذا بهم قاموا بإستعداد لزيارة الوفد الذى كان يرأسها الشيخ العبودي، وقاموا بإعداد الكراسي الكثيرة للزوار من الرجال والنساء على حدة وخصصوا جزءا آخر للصغيرات من البنات اللاتي لم تتجاوز سنهن عن العاشرة .

ثم القى الرحالة كلمته الرئاسية و ركز على تربية أولاد المسلمين والتربية الإسلامية وقام بتوضيح دور المرأة و مسؤولياتها في المجتمع المسلم و قام بترغيب إيفاء حقوق المرأة للرجال ، قام بثناء المرأة خاصة فيما يتعلق بالصبر على حضانة الأطفال و تربيتهم. وقد أظهر إيماء سروره عندما وجد مظاهرهن أحسن كثيرا من مظاهر الهندوكيات اللاتي كان يرأهن في الشوارع و في المدن الأخرى الهندية سواء من حيث نظافة الأبدان والثياب أو من حيث الصحة العامة.  [24]

ثم زار الرحالة الجامعة السنسكريتبة الحكومية، و هى جامعة للغة السنسكريتية التى هى أصل اللغة الهندية وهى لغة هندية قديمة، أما الجامعة فهى تعتبر من أكبر وأشهر الجامعات في المدينة ولكن الكاتب اعتقد بأن مظهرها الخارجي و شكل هياكلها ليس كذلك.  وهذه الجامعة تقع بقرب الجامعة السلفية في وسط مدينة بنارس، ولا يمكن مقارنة بينهما بنسبة التسهيلات المتوفرة فيهما للدارسين، فإنها حكومية تتقاضى رسوما وأموالا من الطلاب الذين يدرسون فيها بخلاف الجامعة السلفية التى لا تأخذ من الطلاب أى رسوم أو مال مقابل دراساتهم، بل أنها توفر تسهيلات السكن والمعيشة فيها لطلابها. [25]

قد اكتشف الرحالة مسجدا تاريخيا بناه الملك أورنغ زيب فهو أحد ملوك المغول الذين حكموا الهند، وعندما خرج من جولة “نهر غانغا” ورأى كثيرا من المعابد الصغيرة و الكبيرة في الشوارع التى تتمثل بتماثيل بعض آلهة  الهنادك، مثل القرد (هنومان) ، وسيتا زوجة رام ، وتمثال البقرة و تمثال الذكر والأنثى، يأتي بعض الناس إلي هذه الأصنام ليعبدونه ويحيونها بالسجود أو الدعاء، ويصبون عليها من ماء النهر المقدس و يتبركون منها. فسأل الرحالة من رفقائه هل يوجد أى مسجد في منطقة هذه المعابد الهندوكية. فأجابوه: نعم،  و قالوا: “إنه يقع في ناحية شرقية من هذه الضفة الشمالية، فإذا به مسجد عال ذو قبة فخمة له ست منارات صغيرة غير مرتفعة لا تكاد تصل إلى نهاية ارتفاع القبة ،وأخبروه إنه كان ذا منارتين عاليتين كانتا ترتفعان خمسين مترا، ولكن إحداهما سقطت على بعض البيوت المجاورة فضرتهم ، وفهدمت المنارة الثانية لئلا يكون منها ضرر مرة ثانية, أن المسلمين لا يقيمون الصلواة الخمس فيه إلا صلاة التراويح في شهر رمضان ، لأنه لايوجد السكان المسلمون بنواحيه. [26]

منطقة شارناث:

ثم توجه الرحالة من مدينة بنارس إلى منطقة لا تبعد عنها كثيرا ولكنها مهمة من الناحية التاريخية، وهى منطقة شارناث تقع على مسافة 18 كيلو مترا فقط. هذه منطقة مهمة للبوذبيين وكانت مركزة مهمة لهم في قديم الزمان، وفيها أقام بوذا (Buddha) الذى قدم من ولاية بيهار وأنكر على الديانات الهندوكية و تقاليدها القديمة السائدة في الهند. إن الديانة البوذية إحدى الديانات التي نبتت في الهند وسيطرت على المجتمع الهندي لمئات من السنين، ثم انتقلت من الهند إلى ما حولها في سيلان وبورما وسيام والهند والصين واليابان، بعد تحول البوذيون على مر العصور إلى أقلية قليلة حتى كانت الهند تخلو من متبعيىهم  وعادت القوة إلى الهنادكة.[27]

المعبد البوذى في شارناث:

وبكونه مركزا للبوذيين يأتي إليه البوذيون للتعبد و ابتغاء التقرب إلى بوذا، فإنهم يتطوفون حوله و بعضهم يجئون من أنحاء الهند، وآخرون يجؤون من بلاد أخرى خارج بلاد الهند. وكذلك يأتى إليه السياحون الأخرى من غير البوذيين للتفرج لرؤيته و مشاهدة الآثار القديمة في المنطقة .

إن المعبد البوذى يجتذب إنتباه السياحيين إليه بشكله الغريب، وقد بني أسفله بالحجارة المحكمة في القرن التاسع الميلادي، وكان يعتبر أول بناء لهذا المعبد في القرن السادس، أى في عهد الملك أشوكا الهندي الشهير. فاعتنق الملك التعاليم البوذية بلا تعصب من دون أن يتخلى عن كل شيء في الديانة البرهمنية ومن دون أن ينكر معتقدات الآخرين. وعمل أشوكا في نشر هذه الديانة الجديدة ومهّد لجعلها ديانة عالمية بإرسال الدعاة إلى أنحاء البلاد إلى كشمير وسريلنكا وشرقي الهند وهكذا انتشر المذهب البوذى وتغلب على الهندوسية أولا، ثم تغلب الهندوسية عليها بعد مرور ألف سنة من ولادتها أعني في نحو القرن السابع الميلادى .[28]

وقال راهب بوذي أن البوذية لا تحتفل بالطقوس البرهمية الرسمية من الغسل في الأنهار المقدسة، ولا تتبع  التزي بزي الرهبان من حلق الرؤوس أو تلبيد الشعر وتتريب الجسد، لأن التعاليمات البوذية ترشدنا إلى العمل الصحيح وهو تطهير الباطن من حب النفس والشح و الحقد والغلظة والشهوة والغضب، وهو غض البصر عن عيوب الناس، و مؤاساتهم في أحزانهم وأوجاعهم، ومؤاساتهم في أحزانهم، وأوجاعهم، والبوذية تمنع الناس عن قتل كل ذي روح، وعن سلب أموال الناس وعن النظر إلى نسائهم، وعن قول الزور، وشرب المسكرات، وتعدي الجوارح.

المعبد الجينى في شارناث:

قد لقي الرحالة رجلا مثقفا يجيد الإنكليزية فكان يتكلم معهم عن الديانة الجينية ومعتقداتهم الأساسية بأن متبعي هذه الديانة لا يزرعون الأرض ولا يريدون أن يقتلوا حشرة أو ذرة من المخلوقات الأرضية، وقام بتحليل من ناحية أخرى بأنهم يعتبرون أن مجرد قطع ورقة من شجرة هو ظلم و اعتداء على تلك الشجرة .[29]

إن المذهب الجينيى تفرع من الديانة الهندوكية القديمة، فهو قائم الزهد والتقوى فالجينيون لا يلبسون الملابس، لكونهم يعتقدون أن منشأ الخلاف بين بني آدم هو في غريزة التملك أو ملكية الأشياء، أهم الشىئ في الجينية هو الدعوة إلى تجرد الإنسان من شرور الحياة و شهواتها حتى تدخل النفس في حالة من الجمود والخمود لا تشعر فيها بأي شى مما حولها، بل الناسك الحق عندهم الذى يقهر جميع مشاعره، وعواطفه  وحوائجه فلا يحتاج إلى شئ حتي اللباس، لأنه لا يشعر بحر  ولا برد و لا حياء.[30]

قذ نشر المذهب الجينيى واشتهر على يد زعيم من زعمائهم اسمه مهاويرا وعاش في القرن السادس قبل المسيح. ومات مهاويرا قبل بوذا رأس الديانة البوذية بخمسين سنة، و الجينية مشتقة من الديانة الهندوسية. وهى ديانة هندية قليلة الأتباع جدا بالنسبة إلى أتباع الديانة الكبيرة من الهندوسية والإسلام والسيخية، وذكر أن أتباع هذه الديانة يبلغ عددهم 24 مليونا في الهند.[31]

خلاصة المقال:

كان  الشيخ  العبودي حريصا على وصف انطباعاته و آرائه عما كان يرى أو يسمع أو يشاهد، وأهم ما وصفه هو إحساسه بالأمان و الاطمئنان، أما رحلته إلى شمال الهند أو الشمال الشرقي من الهند فتعتبر من أهم رحلاته الهندية، و جمع فيها المعارف عن ثقافة أهم الولايتين الهنديتين وهما ولاية بيهار، و ولاية أترابراديس، وقد ذكر فيها ثقافة المسلمين و الهنادك معا مع ذكر أهم مراكزهم الثقافية ومعابدهم القديمة، ولها أهمية في أدب الرحلة وفي التاريخ لأن هذه الرحلة تتضمن على الحقائق التاريخية والجغرافية ، ويمكن للباحثين في هذ الموضوع أن يراجعوا إليه للبحث العلمي و الأدبي.

 مع المسلمين البولنديين رقم صفحة 96[1]

  شهر في غرب أفريقية ، مشاهدات و احاديث  عن المسلمين صفحة 12[2]

 نظرات في شمال الهند ج1 ص 22-23[3]

[4]     نظرات فى شمال الهند،ج 1 رقم صفحة 23

 المرجع السابق ص 24[5]

[6]   نظرات في شمال الهند ج 1-

 الشمال الشرقي من الهند رقم صفحة 95[7]

[8] الصحيفة دعوت الصادرة من دهلى 1/5/ 95

 نظرات في الشمال الهندى ج 1 -ص 27[9]

      نظرات في شمال الهند رقم صفحة  55 [10]

 تقرير وكالة الصادرة في 30 أغسطس 2016 NCRB [11]

[12]    نظرات فى شمال الهند رقم صفحة 66

 الشيلان : جمع شال، وهو كالرداء من قماش ثمين، والبفتة : نوع من القماش القطنى الأبيض .[13]

[14]  الشمال الشرقى من الهند رقم صفحة 89

 الشمال الشرقي من الهند[15]

  الشمال الشرقي من الهند رق ص137[16]

 النفس المصدر رقم صفحة 140[17]

 الشمال الشرقي من الهند رق ص 144 [18]

[19]    نظرات فى شمال الهند ج 1 رقم صفحة 20

  الشمال الشرقي من الهند رق ص24 [20]

 [21]  الشمال الشرقي من الهند رقم صفحة 42-43

  المصدر السابق رفم صفحة 61[22]

المصدر السابق رفم صفحة رقم صحته 67-68    [23]

 المصدر السابق رفم صفحة رقم صحته 69[24]

الشمال الشرقي من الهند رق ص 135 [25]

 المصدر السابق من الهند رقم صفحة 98-99[26]

  الشمال الشرقي من الهند رقم صفحة 149[27]

الشمال الشرقي من الهند رقم صفحة 154 [28]

 نفس المصدر رقم صفحة 161م [29]

 الشمال الشرقي من الهند رقم صفحة 159 [30]

  المصدر السابق رقم صفحة 161[31]

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of