+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

في “نَينِيتال” مدينة البحيرات الخلابة
د. محسن عتيق خان

د محسن عتيق مع ابنيه عبد الله و أعيان في بحرية نينيتال

يوم الجمعة، 03 يونيو 2016:

عندما استيقطنا في الصباح كان القطار قد توقف على رصيف محطة “كاث غودام”، و كان الركاب قد بدؤوأ ينزلون من عرباتهم مع بضائهم الخفيفة. نزلنا من القطار فوجدنا أنفسنا في محطة جميلة و نظيفة بدت كأنها باب للدخول إلى سلسلة من الجبال لمنطقة “كُماؤون” من الهيمالايا فهي آخر محطة في هذه السكة الحديدية و من هنا يبدأ السفر بالسيارة إلى نينيتال. خرجنا من المحطة فأحاطنا عدد من السائقين لسيارات عديدة و عرضوا علينا خيارات مختلفة بداية من مئة روبية و صعودا إلى ست مئة روبية حسب ما يأذن لك جيبك، وكان هناك خيار آخر رخيص للسفر إلى نينيتال و ذلك بالباص ولكنني كنت مع أسرتي ففضلت سيارة أجرة رغم أن كراءها كان ستة أضعاف بالنسبة للباص. خرجنا لنينيتال ولكن ليس حسب خطتي فكنت قد أردت أن أذهب إليها مرورا بـمدينة “بهيمتال” ولكن السائق أشار علي أن أذهب إلى نينيتال مباشرة و أزور “بهيمتال” عائدا منها.

محطة كاث غودام-أقلام الهند

ما إن خرجنا من المحطة ألقى السائق السيارة على الطريق بجنب نهر “غُوالا”  الذي يعتبر مصدرالماء لمدينتى “كاث غودام” و “هَلدْواني” ولكن عندما رأيناه لم يكن فيه الماء إلا مثل مجرى صغير يحاول في إحياء النهر. كان السائق حسن الخلق، بعيدا عن بذاءة اللسان، و عمل لنا كدليل و مرشد طول الطريق، فأخبرنا عن تاريخ كاث غودام قائلا “كان هناك شخص إسمه دان سينغ بيست الذي عاش في النصف الأول من القرن العشرين وعرف بملك الخشب في الهند. إنه أقام هناك مستودعا للخشب و لذلك عرف هذا المكان بـ”كاث غودام” كاث معناه خشب و غودام معناه مستودع.” إنه أخبرنا عن الأمكنة المختلفة الجديرة بالزيارة في مدينة نينيتال و حولها، و كذلك وفر لنا بعض المعلومات عن حياة الناس هناك، وأخبرنا كيف تم اكتشاف نينيتال خلال الحكم الإنكليزي لبلادنا، و كيف شاهدت هذه المدينة بإنهيار التربة إثر هطل غزير. توقفنا في الطريق عند مطعم للفطور و بعد تناول وجبات شربنا ماء من الصنبور الذي كان يصب الماء بدون انقطاع، فطلب بعض الركاب من صاحب المطعم أن لا يضيع الماء، فأجاب مبتسما هذا ماء ينبوع يأتي من أعلى الجبل و يجري هكذا على دوام السنة. بدأنا سفرنا من جديد بدأ النعاس يراودني رغم مناظر الطبيعة الجميلة إذ كنت متعبا بعد سفر الليل.

 في مدينة نينيتال: زيارة مول رود والأمكنة السياحية الأخرى

يوم الجمعة، 03 يونيو 2016:

عبد لله و أعيان

نادني السائق قائلا “سيدي، ها هو ذا نينيتال”، ففتحت عيني متثائبا و وجدت سيارتي تدخل إلى واد جميل يتمثل في بحيرة تحدها الجبال من جميع الأطراف، و حولها طريق من جانبين. كنا أمام بحيرة  تشبه المانجو في شكلها، و عندما ألقينا النظر على لوحات الطريق وجدنا أن الطريق الذي يحيط البحيرة من الجانب الأيمن يعرف بـ”مول رود”، والطريق الذي يحيطها من الجانب الأيسر يعرف بالطريق البارد “ثَندي سَرَك”. فألقى السائق سيارتنا على مول رود وهناك استفسرنا بعض الناس عن عنوان فندق “كُرمانتشال” الذي كنت قد حجزت فيه غرفة لنا، و على إشارة بعض المارة صعدنا إلى الأعلى في شارع حديقة الحيوانات الذي يمر بكنيسة الزاهد فرينسيس حتى وصلنا فندقنا، وذلك في الساعة الثامنة صباحا. كانت مديرة الفندق امرأة كريمة فهيأت لنا غرفتنا على الفور و كنا على فراشنا في أقل من نصف ساعة. كانت أم عبد الله متعبة فخلدت إلى النوم ولكنني لم أجئ هناك للاستراحة بل لاكتشاف أشياء جديدة، فتسللت من الغرفة و تمددت على كرسي في شرفتنا الفسيحة التي تطل على البحيرة. كان أمام عيني بحيرة جميلة يرتفع منها ضباب الغيوم الأبيض، وكانت هناك زوارق جميلة مع راكبين متغازلين في وسط الماء، و بعض هذه الزوارق تشبه بجعات بيضاء تسبح على سطح الماء في قطيع، و قد لمح لنا في نهاية البحيرة مسجد أبيض كبير يطل عليها و يزيد في جمالها، و كانت مباني البيوت والفنادق الجميلة متناثرة على الجبال المحيطة بهذه البحيرة، و كل ذلك كان يخلق منظرا مدهشا في جو معتدل و تحت شمس رائقة، فكنت أتمتع برؤية جمال البحيرة و في نفس الوقت كنت أغتسل بضوء الشمسس المريح كأنني قد دخلت في موسم الشتاء فجأة و نسيت قيظ الشمس الذي كان يحرق الجلد حتى بالأمس في دلهي.

قضيت وقتا طويلا محدقا في البحيرة و متمتعا بمنظر الغيوم التي بدت كأنها تنشأ في البحيرة، ثم دخلت الغرفة و بعد استراحة قليلة استعدت للنزول إلى مول رود لأزور ذلك المسجد الذي شاهدته من الفندق و أصلي فيه صلاة الجمعة، و لكن عبدالله و أعيان أصرا على الذهاب معي فأخذتهما معي و نزلنا إلى مول رود و كانت أم عبد الله قد تبعتني. اكترينا سيارة بخمس عشرة مئة روبية لزيارة الأمكنة السياحية في نينيتال، فجال بنا سائق السيارة في المدينة طولا و عرضا و ذهب بنا إلى بعض ضواحيها. أولا زرنا نقطة رؤية الثلج (Snow Point) من حيث يمكن للزائر أن يرى قمم الهيمالايا العظيمة المغطاة بالثلوج ولكننا لم نتمكن من رؤيتها بسبب الجو المتغيم، وهناك مكان ترفيهي للطلاب فتمتع عبدالله و أعيان بركوب سيارة وأرجوحة، وبإطلاق البندقية، ثم تغدينا قبل أن نغادر المكان. زرنا الكهف البارد {Thandi Gufa} وهو مكان تافه ولكن يجعلك تشعر كأنك تقوم أمام مكيف بسبب الهواء البارد الآتي من الكهف الصغير. ثم مررنا بكهوف حديقة إيكو “Eco Cave Garden” عند بحيرة “سوكها تال”، وهناك أخبرنا السائق بأن الحديقة تتكون من ستة كهوف مترابطة بأنفاق ضيقة تم تسميتها بأسماء الحيوانات التي تتشبه بها، و في نهاية هذه الكهوف تستقبل الزوار نافورة موسيقية رائعة، و بما أن زيارة هذه الكهوف ومغامرة الزحف في الأنفاق كان يستغرق أكثر من ثلاث ساعات فامتنعنا عن زيارتها وتقدمنا إلى الأمام مرورا بحديقة الهيمالايا النباتية (Himalayan Botanic Garden)، وهي مركز لدراسة النباتات ويشتمل على منزل السرخس، ومنزل الفراشات، و منزل العشب، ومكتب علمي، ثم زرنا “سَرياتال” و هي بحيرة صغيرة تقع بين الطبيعة الخضراء والمناظر الخلابة على بعد خمس كم من نينيتال، وهناك مجرى ماء صغير يصب في هذه البحيرة في جانب، وهناك طريق في جانب آخر لخروج الماء و هذان يؤكدان أن يبقى ماء البحيرة خالصا. وبعد ذلك زرنا شلالة تعرف بإسم هذه البحيرة و لعل هذه هي الشلالة التي يصب ماءها في سرياتال. هذه شلالة صغيرة ولكن جميلة تعطي فرصة للتمتع برذاذ الماء، و أمام هذه الشلالة هناك مطعم حيث جلسنا للاستراحة وشربنا الشاي قبل أن نغادر المكان. بعد ذلك زرنا “كهُربا تال” و هي بحيرة جميلة حولها حقول جميلة للخضراوات، وهي تقع على بعد حوالى 12 كم من مدينة نينيتال وتعتبر جنة الصيادين بسبب وجود أسماك في مياهها الشفافة، و هي مكان مثالي للذين يطلبون الراحة النفسية ويحبون أن يقضوا بعض الوقت بسكينة و طمأنينة بعيدا عن ازدحام المدينة و صخبها. وبعد ذلك ذهبنا إلى مكان “دورثي” المعروف بـ”تِفين توب” الذي يعرض للزائرين جمال الطبيعة في أجمل صورته في نينيتال، وهناك ركبت فرسا مع ابني أعيان وبدأنا نصعد إلى الأعلى ولكن أم عبد الله لم تكن ترغب في الصعود فرجعنا إلى “مول رود”.

IMG_20160603_170955_HDR

استرحنا قليلا على مول رود جالسين على كرسي عام لنصف ساعة وتمتعنا خلالها ببعض الوجبات ثم مشينا على ضفة البحيرة محدقين في القوارب التي تسبح على سطحها، ثم توقفنا لدى محطة القوارب. اكترينا قاربا بعد بعض الاسفسارات عن الحفاظة و الكراء ثم نزلنا إلى حافة الماء و ركبنا قاربا خاليا. بدأ الملاح يجدف القارب إلى وسط البحيرة حيث تمكنا من أن نشاهد المدينة كلها و ندرك جمالها الرائع و فتانتها المدهشة و ملامحها الخلابة التي تختلف من مدن المناطق السهلة، و لعل في رأي شاعر مثلي، هذه البحيرة أفضل مكان للتغازل و الإنتاج الشعري. في وسط البحيرة دار الملاح بقاربنا دورة أحاطت نصف البحيرة ثم بدأ يسوق القارب إلى المحطة بالمجاديف، كان ابناي و أنا بنفسي لم نكن نرغب أن نعود ولكن الوقت كان قد انتهى.

كانت الشمس قد مالت إلى الغروب و كان مول رود مكتظا بالناس، مشينا على ضفة البحيرة إلى المسجد الجامع الذي يقع عند نهاية البحيرة خلف ملعب نينيتال و يمكن أن تشاهده من أي مكان في المدينة. مبنى المسجد فخم و جميل و يزيد المكان رونقا و بهاء وقليلا ما تجد المساجد في الهند جميلة إذ يتم بناءها على عطاءات الناس. عندما دخلت المسجد كانت الجماعة قد انتهت فصليت منفردا وبعد ما فرغت عن الصلاة تحدثت مع الإمام الذي كان قد قام آنفا بعد المشورة مع أصدقاءه من جماعة التبليغ. كان رجلا وسيما وصاحب خلق حليم تكلمت معه لعدة دقائق في شأن أحوال المسلمين في هذه المدينة ثم خرجت من المسجد بعد أن وضعت بعض الروبيات في صندوق العطاءات.

كنت متأكدا من أن أجد بعض مطاعم المسلمين في هذه المنطقة، ففي المدن الهندية توجد مطاعم المسلمين عامة في جوار المسجد، فاستفسرت بعض الناس هناك و وجدت عدة مطاعم على بعد خمس مئة متر من المسجد على الشارع الذي يربط الطريق البارد بشارع السوق الكبير عند انتهاء مول رود، و لكن كان هناك ازدحام كثير و قطارات طويلة للزبائن فانتظرنا حوالى نصف ساعة و عند ذلك تمكنا من الجلوس على المقاعد في مطعم. كان الطعام لذيذا و طريا و كان المطعم يحمل شهادة الحلال، و بعد الفراغ عن الأكل تمشينا قليلا على مول رود الذي قد بدأ يخلو عن الازدحام و كانت الشرطة قد أجازت للسيارات المرور على مول رود بإحالة الحواجز عن الطريق، فحسب الحكم مول رود يبقى مغلقا منذ قبيل الغروب حتى الساعة الثامنة. كنا قد تعبنا كثيرا، فاكترينا سيارة و وصلنا فندقنا متعبا و مرهقا و استلقينا على فراشنا بدون فكرة ثانية.

اليوم الثاني: زيارة حديقة الحيوانات

يوم السبت، 04 يونيو 2016:

عبد الله و أعيان يتمتعان في حديقة الحيوانات

استيقظت مبكرا في الصباح و تسللت إلى الشرفة إذ لم أرد أن أوقظ أحدا من عائلتي، و هناك جلست على كرسي محدقا في البحيرة التي كانت مختفية تحت ضباب كثيف ولكن عندما طلعت الشمس حاولت أشعتها أن تشق رداء الضاب الكثيف و تصل إلى ماء البحيرة الزرقاء، كان قلبي يشعر بالطمأنينة و السكون بينما كنت أقشعر اقشعرارا حلوا بسبب البرد الخفيف. استيقظت أم عبد الله و عندما لم تجدني على الفراش خرجت إلى الشرفة، فجَرت كرسيا و تمددت عليه بجنبي. بقينا هكذا لساعة محدقا في البحيرة الجميلة و متمتعا بالهواء الطلق حتى علت الشمس و عندما شعرنا أن ابني قد استيقظا اتصلت بالنادل هاتفيا و طلبت منه إحضار الفطور.

حسب الخطة، أولا استفسرنا بعض الناس عن عنوان حديقة الحيوانات ثم خرجنا ماشين على أقدامنا إليها إذ هي تقع على بعد حوالى كيلومتر واحد من فندقنا، ولكننا سرعان ما أدركنا بأن المشي على الشارع المتصاعد ليس بسهل وسينهكنا تماما، ولكننا لم نفقد أملنا و لم نترك هممنا و واصلنا المشي بوقفات الاستراحة القليلة حتى وصلنا أمام بوابة الحديقة. هناك مطعم صغير بجنب البوابة و تباع فيه المأكولات الصينية والهندية و الوجبات الأخرى، فأولا ملأنا بطوننا ببعض السنبوسات و حصلنا على الحرارة بالشاي لتنشيط أنفسنا من جديد وللحصولا على بعض الطاقة ثم اشترينا التذاكر من المبنى الصغير الذي قائم أمام البوابة و دخلنا الحديقة. أم عبد الله لم تكن ترغب في الصعود مزيدا فجلست على كرسي و طلبت منا أن نزور قفوص الحيوانات. كان عبدالله و أعيان متحمسان فبدأنا نصعد إلى الأعلى بعد استراحة قليلة و زرنا الحيوانات المختلفة بما فيها الأسود، و النمور، و أنواع من القرود والنسور، و طيور و حيوانات أخرى. كلاهما تمتعا جدا ولكنها تعبا بسبب التسلق المتواصل فلم نفعل إلا الصعود إلى الأعلى زائرين القفوص المختلفة حتى وصلنا أعلى قمة الجبل الذي تقع عليه هذه الحديقة. استرحنا قليلا ثم بدأنا ننزل حتى وصلنا باب الحديقة و كانت أم عبد الله جالسة هنا في انتظارنا بين بعض النسوة الأخريات. قد استغرقت زيارة الحديقة أكثر من ثلاث ساعات و عندما خرجنا من الباب كنا مرهقين جدا فجلسنا في المطعم للاستراحة و تغدينا هناك في خلفية منظر جميل، و عندما عدنا إلى فندقنا كان النهار قد انتصف فاسلتقينا على الفراش بدون فكرة أخرى.

بعد حوالى ساعتين، استعدت مرة ثانية للخروج من الفندق و لزيارة بعض الأماكن السياحية، ولكن أم عبد الله رفضت أن ترافقني إذ كانت متعبة، فأخذت ابنيى معي و نزلت إلى مال رود حيث تجولنا قليلا ثم اكتريت زورقا من الزوارق التي تشابه بجعة في الشكل، و كان فيه مقعدين، فجلس عبد الله في مقعد و أخذت مكاني في مقعد آخر و أجلست أعيان في جنبي ثم بدأنا نحرك الدواسة بأقدامنا، و بدأ زورقنا يسبح على الماء بسهولة. عندما وصلنا في وسط البحيرة، خطرت ببالي فكرة أن ندور في البحيرة دورة كاملة فقد كان لدينا ساعة كاملة، فتوجهنا أولا إلى جهة اليسار حيث توقفنا عن تحريك الدواسة لعدة دقائق فكانت أقدامنا قد تعبت. كانت هناك زوارق أخرى تحمل زوجين أو جماعة من الرجال، أو فرقة من الفتيات، أو أعضاء أسرة صغيرة و كل واحد يبدو مبهوتا بجمال البحيرة و مدهوشا بما حولها و مشغولا بتلاعب الماء. عندما عادت إلينا بعض قوتنا، بدأنا نحرك الدواسة من جديد بجنب الشارع البارد وعندما تجاوزنا معبد هانومان و وصلنا نقطة رؤية البحيرة توقفنا للاستراحة و بعد قليل شرعنا في تحريك الدواسة مرة أخرى حتى وصلنا أمام ملعب نينيتال عند معبد نينياديفي حيث دُرنا نصف دورة ثم بدأنا نحرك زورقنا بوقفات الاستراحة القليلة إلى جهة محطة الزوارق. كنت أريد أن أبقى في البحيرة لمزيد من الوقت ولكن عبد الله كان يحاول أن يتلاعب بالماء كما رأى بعض السياح الآخرين ولم يمتنع رغم أنني نهرته فرأيت العافية في الخروج من البحيرة.

بعد ما تركنا الزورق خلفنا، مشينا قليلا على مول رود حيث أشبعنا أنفسنا ببعض الوجبات و آيئس كريم، ثم بدأنا نتجول ولكن توقفت عندما وقع نظري على مبنى صغير نصبت عليه لوحة مكتبوبة عليها “مكتبة دُرغا شاه للبلدية” فاطللت من الباب و وجدت في داخلها قاعة كبيرة مملوءة بالكتب، وبعض المؤظفين مشتغلين بنفض الغبار عن الكتب وبترتيبها على الرفوف. تقع هذه المكتبة على حافة مول رود و تطل شبابيكها في البحيرة، و إن لم تكن تقع على قدر من الارتفاع لأمكن للزائرين أن يمسوا بماء البحيرة بأيديهم. في وسط الشغب في مول رود هذا المكان يوفر راحة البال للذين يرغبون أن يبذلوا بعض الوقت في المطالعة بدون تحريم أنفسهم من رؤية البحيرة. تكلمت مع المدير فوجدتنه رجلا كريما يعرف كيف يلقى الزائرين بتمام الاحترام والأدب، و كيف يدرك موضوع رغبتهم، فوفر لي بعض الكتب و قال أن مبنى المكتبة حاليا في قيد الترميم، و عندما ينتهي من ذلك سيتم ترتيب الكتب من جديد. و خلال المحادثة عندما عرف هذا المدير بأنني كاتب و لي بعض الكتب ومقالات عديدة طلب مني أن أهدي بعض نسخ من كتبي للمكتبة ولكن من الأسف لم أكن أحمل معي حتى نسخة واحدة. كان الشعور بمطالعة الكتب في مكتب بجنب البحيرة الجميلة شعورا لا يمكن وصفه فالدراسة و الكتابة في وسط جمال الطبيعة تطوران تطورا ملحوظا و و تبلغان مدى جديدا فللطبيعة أثر عميق على القلب والعقل.

كان ابناي قد تعبا و كان يصران على العودة إلى الفندق فتوجهنا إلى الفندق ماشين على أقدامنا و وصلنا بعد حوالى نصف ساعة. بعد استراحة قليلة عندما قمت من الفراش لشرب  شاي المساء جالسين في شرفتنا و محدقين في البحيرة شعرت بقدر من الصداع في رأسي ولكنني تجاهلت عن ذلك و ظننت بأنه سيهدأ بعد شرب الشائ، ولكن لم يذهب بل اشتد بمرور الوقت، وبما أنني كنت مجهدا و منهكا فلم أستطع الذهاب إلى صيدلية. كان النادل قد أخبر مديرة الفندق عن صداع رأسي فجاءت بنفسها إلى غرفتي واستفسرت عن أحوالي وأعطتني الدواء، وأخلاقها هذه قد أثرت في قلبي أثرا عميقا فقد بت الليالي في فنادق عديدة ولكن لم أجد مديرا قط يعامل الزبائن مثل هذه المرأة الكريمة.


اليوم الثالث: زيارة بحيرة “بهيم تال” والعودة إلى “دلهي”

يوم الأحد، 05 يونيو 2016

عبدالله و أعيان في بحيرة بهيمتال

كنا قد حجزنا تذاكر العودة لدهلي في إحدى الباصات، ولكن أم عبد الله لم ترد أن تسافر بالباص إذ لم تكن تشعر بصحة جيدة، فاستلغيت تذاكر الباص و حاولت حجز التذاكر في قطار “راني كهيت ايكبريس” للعودة إلى دهلي، ولكن الحجز تم في قسم الانتظار بسبب الحشد الكثير وكنا متفائلين بأننا سننجح في حصول المقاعد إذ لم يكن عدد تذاكر الانتظار إلا قليلا. خرجنا بعد الفطور إلى بهيمتال فقد كنا نريد أن نزور بحيرة بهيمتال ليتمكن عبدالله و أعيان من رؤية حوضة الأسماك على الجزيرة الصغيرة التي تقع في وسط هذه البحيرة.

بحيرة بهيمتال تقع على مسافة عشرين كيلو مترا من مدينة نينيتال في وسط واد جميل يقع على ارتفاع 1370 متر عن سطح البحر، وهناك قصبة حول هذه البحيرة بنفس الإسم و تحتوي على حوالي تسع آلاف من السكان. وصلنا بعد حوالى ساعة كاملة، فأول ما فعلنا هو البحث عن مطعم مناسب إذ كنا جائعين و بعد ما فرغنا عن الغداء وقفنا على حافة البحيرة نقدر جمالها ونلاحظ قطيعا من البط يسبح على سطح الماء. كانت البحيرة تبدو من بعيد في شكل رِجل، و كانت كبيرة و واسعة مثل بحيرة نينيتال ولكن بين جبال أكثر انخفاضا بالنسبة للأولى، وكان الموسم أقل برودا إذ هي تقع على ارتفاع أقل منها. قطعة الأرض المرتفعة الصغيرة في وسط هذه البحيرة تبدو كجزيرة في وسط البحر و تزيدها جمالا رونقا، فاشتقنا أن نزورها فاكترينا قاربا و اجدف بنا صاحبه إلى هذه الجزيرة الصغيرة. عندما نزلنا من القارب على هذه الجزيرة أدركنا أن هناك مبنى جميل يحتوي على حوضات زجاجية كثيرة لأنواع من الأسماك التي لم نرها قط. قضينا هناك بعض الوقت متمتعين برؤية الأسماك، وكان ابنايى لا يسعهما الأرض فرحا لرؤية الأسماك المتنوعة ولم يرضيا للعودة إلا عندما شبعا من رؤية الأسماك. عندما عدنا إلى حافة البحيرة جلسناعلى سدتها متمتعين برؤية الماء الراكد الذي تحركه من حين لحين مجاذيف بعض أصحاب القوارب أو مرور قطيع من البط بينما كان عبدالله و أعيان يتمتعان بالأرجوحة في جنبنا.

عندما مال الشمس إلى الزوال تركنا خلفنا هذه البحيرة مع ذكريات متوجها إلى محطة القطار في “كاث غودام”. وصلنا المحطة عند المغرب بتأخر إذ ازدحم الطريق بسبب المطر الغزير، ولكن أكبر مشكلة كانت أمامنا الآن، فلم يتم تخصيص المقاعد لنا إذ كانت تذاكرنا لا تزال في زمرة الانتظار وهي تلغى إذا اشتريت عن طريق موقع السكة الحديدية، فلم يبقى لنا إلا أن نشتري تذكرتين من جديد للدرجة الثانية العامة ففعلت بعد أن اصطفت في الطابور لأكثر من ساعة، وعند ذلك تأسفت لإلغاء تذاكري المحجزة في الباص. نجحنا في الحصول على مقعد خال في الأعلى فجلسنا عليه و في الطريق عندما اكتظت مقصورتنا بالناس حاول بعض الركاب أن يجدوا بعض المكان للجلوس على مقعدنا ولكننا لم ندع أحدا إذ كان هذا المقعد لا يكفي حتى لنا، و على أي حال وصلنا دلهي بعد ما قضينا الليل جالسين و مستيقظين بين الرائحة الكريحة و شجارات الناس لأتفه الأشياء و بين دخان “بيري” و هذا شيئ عادي في مثل هذه الدرجة العامة التي ترى فيها الصورة الحقيقية للهند.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of