+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي كاتباً للسيرة النبوية
*غياث الإسلام الصديقي الندوي

تمهيد:

من الأعلام الأفذاذ الذين غادروا دنيا الفناء إلى دار الحق في صمت، ولا تزال ذكراهم نابضةً حية، ولا تزال آثارهم ومنجزاتهم في حركة العلم والأدب ماثلةً جلية، أستاذنا العلاّمة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي؛ ابن أخت العلاّمة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، والشقيق الصغيرللعلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي. وبرغم أنه لم يمض زمن طويل على وفاته حيث غادر إلى دار الحق قبل شهرين ونصف شهر؛ 16/01/ 2019م، إلاّ أن قد صدرت حتى الآن مقالات كثيرة باللغة الأردية وعدّة مقالات باللغة العربية في المجلات المختلفة، تختص بذكره وآثاره ومنجزاته العلمية والأدبية، وذلك لما خَلفه في نفوس محبيه وتلاميذه من أثرٍ قوي وحضورٍ مُؤثر. وكم كانت صدمتي بخبر رحيله حينما سمعت من أحد الأقرباء عن طريق الجوّال إثر وفاته بعدّة ساعات! ولاتزال ذكرياته تملأ ذاكرتي ووجداني. وفي الحقيقة إنه كان متفانياً في خدمة العلم ونشر القيم الإنسانية النبيلة البنّاءة. رحمه الله رحمة واسعة.

وبمناسبة وفاة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي يلقي أستاذنا العلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ضوءاً على خدماته العلمية ودوره في المجالات المختلفة فيقول: “كان يؤدي دوراً مهماً في ترشيد الصحوة الإسلامية، وإعداد الجيل، وتنبيه المسلمين، وتوجيه الحركات والنشاطات الإسلامية، وكشف الغطاء عن المخططات الغربية، والمؤامرات العالمية ضد الإسلام والمسلمين من خلال كتاباته وبحوثه ومقالاته وآرائه السديدة…لقد كان الفقيد الكريم عالماً ومفكراً، ومربياً ومعلماً، وأديباً وموجهاً، ومحللاً صحفياً معروفاً في أوساط العلم والأدب والثقافة والفكر والصحافة بآرائه الصائبة وتحليلاته القيمة للشؤون العالمية وكان يفيد بها في مجالات التعليم والتربية والصحافة والفكر والثقافة والأدب والتاريخ”[1].

ويبدي أستاذنا الشيخ سعيد الأعظمي الندوي انطباعاته عن شخصيته الفذة فيقول: “إنّ الراحل الكريم لم يكن من الشخصيات التي يعرفها الناس بأعماله العملاقة وإنجازاته الفذة فحسب، إنما كان يعيش في عزلة عن كل شهرة أو عن جميع تلك الصفات التي تعلو بالرجل إلى مكانة عالية من الصيت الحسن ويذكره الناس بألقاب عالية وأوصاف بارزة، إنما عاش كرجل خاشع متواضع وكداعية مخلص وكعالم كبير وأديب ألمعي يحب الاستمرارية في أعماله قابعاً في ركن من غرفة المكتب أو مقر النوم”[2].

في مجال السيرة النبوية:

قد ألّف أستاذنا الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي مؤلفات كثيرة باللغتين العربية والأردية حول موضوعات مختلفة، وهي تناهز ثلاثين كتابا ولهاقيمة علمية أدبية وفكرية. ويتسبب عرض جميعها الإطالة في مقالة واحدة، فتناولت في هذه المقالة مساهمته في مجال السيرة النبوية ليسهل التوصل إلى نتيجة عن فكر المؤلف وأسلوبه في الكتابة والتحليل. أمّا علاقة أستاذنا الفقيد بفنّ السيرة فهي قوية جدّاً حتّى يتجلى تأثيرها في مختلف مراحل حياته، ونشاطاته ليلاً ونهاراً، وخلقه الحسن، وطبيعته الرشيدة السليمة، وتواضعه المفرط، وسكوته الوقور، وبساطته في أسلوب حياته، وسذاجته في حله وترحاله، وتخشنه في المأكل والمشرب، والملبس، والمرقد. وقد صدرت عن قلمه اليانع ثلاثة كتب حول السيرة النبوية وهي:

  1. مختصر الشمائل النبوية، نشره المجمع الإسلامي العلمي ندوة العلماء، بلكنؤ، الطبعة الأولى عام 1426ه/2005م.
  2. لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي، نشرته دارالرشيد بلكنؤ، الطبعة الأولى عام1431ه/2010م.
  3. محسن انسانيت (باللغة الأردية)، ترجمة من العربية: محمد وثيق الندوي، نشرته دارالرشيد بلكنؤ، الطبعة الثانية عام1433ه/2012م.

ومن هذه الكتب “مختصر الشمائل النبوية”، و”محسن انسانيت”، كتابان مختصران. أمّا “لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي”، فهو كتاب مفصل بالنسبة لهما فاكتفيت بإلقاء ضوء يسير على الكتابين المختصرين، وقدمّت دراسة تحليلية لكتاب “لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي” فإليكم عرض هذه الكتب فيما يلي:

مختصر الشمائل النبوية:

يحوي الكتاب أولا “مقدمة الكتاب” بقلم سماحة الأستاذ الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء بلكنؤ، في أربع صفحات متحدثا عن موضوع الكتاب، وشخصية مؤلفه وختم التقديم مع التقدير لهذا العمل، سائلا الله تعالى أن يجزي المؤلف أحسن الجزاء. ثمّ جاءت كلمة المؤلف بعنوان “قصة الكتاب” في ستّ صفحات، ويليه كلمة تقديم وتعريف دبجها قلم أستاذنا الفقيد الشيخ عبد الله محمد الحسني أستاذ الحديث بدار العلوم ندوة العلماء سابقاً، ثم ترجمة الإمام الترمذي أعدّها الأستاذ محمد وثيق الندوي في ستّ صفحات. يقع هذا الكتاب في 48 صفحة.

يشتمل الكتاب على بيان صفات رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شؤون الحياة المختلفة من خلقه وخُلقه، وحبه للتيمن في سائر الأعمال، وصفة لباسه، وأكله، وكلامه، ونومه، وعبادته، وتواضعه، ومعاملته في منزله ومع الناس، واعتدال فطرته، وسلامة ذوقه وما إلى ذلك. هذا الكتاب اختصار للشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى محمد الترمذي (209-279ه). وقد أوضح المؤلف في كلمته أنه قد حمله على تأليف هذا الكتاب، محاولته في إثبات أنّ التدين لا يتعارض مع حسن الخلق، وحياة الرسول صلّى الله عليه وسلم كلها أسوة، وعمله كله سنة، يجدر بأن يقتدى به فيها، وقد خفيت جوانب كثيرة من حياته وسننه، ما لا بدّ من الالتفات إليها، وبذل السعي للاقتداء بها، وهذا الاختصار من الشمائل محاولة لتذكير من أحبّ اتباع سننه صلّى الله عليه وسلم في الحياة كلها[3].

محسن انسانيت:

يشتمل هذا الكتاب على مقالات لأستاذنا الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي، ومعظمها باللغة العربية، ومذكورة في  كتاب المؤلف “لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي” فنقلها الأستاذ محمد وثيق الندوي إلى اللغة الأردية. وبالإضافة إلى ذلك يتضمن الكتاب مقتبسا من كتابات العلامة السيد سليمان الندوي، ومقتبسا من كتابات العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي بجانب نماذج من المديح النبوي لشعراء اللغة الأردية. يقع هذا الكتاب الأردي في 126 صفحة.

دراسة تحليلية لكتاب ” لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي”:

إنه يحوي أولا “بين يدي الكتاب” بقلم المؤلف في ثلاث صفحات، ويليه مقدمة الكتاب لسماحة أستاذناالشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء لكناؤ، في إحدى عشرة صفحة متحدثا عن موضوع الكتاب، وتعريف موجز بشخصية المؤلف وسعة آفاقه العلمية والأدبية وقدرته على الكتابة والنقد والتحليل، وختم التقديم متمنيا أن يكون الكتاب نافعاً مقبولاً لدى المعنيين باللغة العربية وآدابها، وأن يتقبل الله جهود المؤلف في هذا المجال. يقع الكتاب في335 صفحة.

بين يدي الكتاب:

ذكر المؤلف في كلمته بعنوان “بين يدي الكتاب” أن هذا الكتاب مجموعة مقالات كتبت في مناسبات مختلفة، نشر بعضها في المجلات، وقدم بعضها في ندوات علمية، كانت له صلة بالسيرة العطرة، وبجوانب أخرى مضيئة من حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأدبه، ومنهج تعليمه وتربيته، وتفنيد ماوجه أعداء الإسلام من أباطيل، والمحاولات المتكررة والمستحدثة للإساءة إلى ذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتصاعدها في العصر الراهن كرد فعل للإقبال على الإسلام ومظاهر الفداء للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتوثّق العلاقة به في المسلمين رغم تطور الزمان، وقد تضافرت جهود إزاحة الأوهام والخرافات التي تبثها أقلام حملة القلم في أوربا، ورجال الفن، وصانعو الأفلام، وتتكرر هذه المحاولات التي دافعها الخبث، والجهل، والحقد، ومركب النقص في هذا العصر الذي يعتبر عصر اللقاء والتفاهم والاحترام المتبادل[4].

أمّا عمدة الكتاب فقسمها أستاذنا المؤلّف إلى خمسة أقسام وهي كما يلي:

القسم الأول:وهو يتضمن “نبذة عن سيرة الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم”

هذا القسم مقتبس من كتاب “تهذيب السيرة النبوية” للإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شريف النووي الدمشقي(631-676ه)، وهو إمام محقق، ذوباع واسع في خدمة السنة النبوية والعناية بها. هذا القسم تحفة نفيسة من ذخائر السلف حيث كتب الإمام النووي ترجمة موجزة شاملة لسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأولاده وأعمامه وعماته وأزواجه ومواليه وخدمه وكُتابه ورسله ومؤذّنيه وعمرته وحجّته وغزواته وسراياه وأخلاقه ومعجزاته وأفراسه ودوابّه وسلاحه. فهذه الترجمة جامعة بين الإيجاز والشمول لشمائله وسيرته حيث انتخب من سيرته ما يعتبر بحق مدخلاً لدراسة السيرة النبوية، بحيث تكون للدارس وطالب العلم قاعدة معرفية يطلع من خلالها على مجمل حياته لينطلق منها إلى الإحاطة بأطراف موضوع السيرة النبوية.

القسم الثاني: وهو منقسم إلى ستة عناوين تالية:

  1. مولد الرسول صلّى الله عليه وسلم هو مولد الإنسانية
  2. أسوة كاملة خالدة للإنسانية
  3. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
  4. نبي الرحمة والإحسان
  5. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الهدى والعلم
  6. جوانب الرحمة والعفو في السيرة النبوية وأهمية عرضها بأسلوب علمي معاصر

يستعرض هذا القسم عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم من مولده إلى بعثته، وأثره العظيم على الإنسانية، وجوانب الرحمة والعفو في السيرة النبوية. وفنّد المؤلف أسطورة انتشار الإسلام بالسيف كما يدّعي الأعداء الحاقدون، وكتب بالأدلة الدامغة وبشهادات بعض علماء الغرب أن الإسلام لم ينتشر بالسيف وسفك الدماء كما تدّعي القوى المعادية، بل انتشر بتعاليمه السامية والسمحة وبخلق الرسول العظيم، وأن الإسلام دين الرحمة والعطف والعدل والبر والإحسان. يبين هذا القسم فضل البعثة المحمدية على الإنسانية والمآثر والمنن العالمية التي أسداها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الإنسانية جمعاء.

القسم الثالث: ينقسم هذا القسم إلى ثلاثة عناوين وهي:

  1. النماذج البشرية في الحديث النبوي الشريف
  2. الرحلة الحجازية ومناهج المؤلفين فيها في العصر الحديث
  3. دور المدائح النبوية في الاحتفاظ بالارتباط بذات الرسول صلى الله عليه وسلم

يقدّم هذا القسم نماذج بشرية من الحديث النبوي الشريف، ويثبت أنّ تنوع موضوعات الحديث بتنوع الحياة، وتنوع الحالات النفسية والفكرية للمخاطبين والموضوعات، وقد استخدم في الأدب النبوي جميع وسائل التأثير على النفس لغرس المعاني وترسيخها في النفوس، وإيضاحها، كما يتعرّض هذا القسم للرحلة الحجازية ومناهج المؤلفين فيها في العصر الحديث، بجانب دور المدائح النبوية في الاحتفاظ بالارتباط بذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

القسم الرابع: وهو يتمّ بعنوانين تاليين:

  1. مؤامرة غريبة لقطع صلة المسلمين بذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم
  2. محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عيون بعض المنصفين من علماء الغرب وأدبائه

يهدف هذا القسم إلى كشف دسائس الأعداء ومخططاتهم للقضاء على صلة المسلمين بذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأحاديثه الشريفة، كما يقدّم اعترافات عديد من علماء الغرب وأدبائه بفضل البعثة المحمدية على البشرية جمعاء وتأثيرها في الحضارات والثقافات. وجاء ذلك في مقالة عنوانها: “محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عيون بعض المنصفين من علماء الغرب وأدبائه”. ومن أبرز هؤلاء الأدباء العالميين الكبار ممن وقفوا مشدوهين أمام الرسول صلّى الله عليه وسلّم صاحب الرسالة الخالدة معجبين مقدرين: برناردشو، والشاعر الألماني “غوته”، والأديب الروسي “لوين تولستوي”، والمفكر الفرنسي “لامرتين”، و”غاندي”، و”ساروجني نائدو”، والكاتب الإنجليزي “توماس كارلائل”، والأستاذ الفرنسي “جاك ريسلر”، والأديب البريطاني “هوبرت جورج ولز”، والمستشرق الأمريكي “واشنجتون أير فنح”، و”مايكل هارت”، و”جون وليام”، والمستشرق البريطاني “سير توماس آرنولد”، والدكتور النمساوي شبك، والمستشرق الألماني “بريكاني سانت هيلر”، والمستشرق الفرنسي “إميل درمنغم” وغيرهم[5].

القسم الخامس: يتضمن هذا القسم عناوين تالية:

  1. يوميات السيرة النبوية
  2. جدول أعيان العرب
  3. جدول دعاة الصحابة
  4. جدول أشبال الصحابة
  5. كتب للدراسة حول السيرة النبوية

هذا القسم الأخير يشتمل على سرد الأحداث المهمة من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في سطور من مولده إلى وفاته، بجانب تقديم عدّة جداول لأعيان العرب ودعاة الصحابة الكرام وأشبال الصحابة الكرام رضي الله عنهم. وفي نهاية هذا القسم، ألقى المؤلف ضوءا على تاريخ وضع الكتب حول السيرة النبوية ومناهج الكتاب في هذا الموضوع، وقسم كتب السيرة النبوية إلى ثلاثة مراحل هدفاً إلى تسهيل الاستفادة منها، والإرشاد إلى مراحل تطور هذا العلم، فأشار إلى ستة كتب مختصرة في المرحلة الأولى، وكذلك إلى ستة كتب متوسطة في المرحلة الثانية، وإلى أربعة كتب كبار مبسوطة في المرحلة الثالثة الأخيرة. ثمّ قدمت قائمة شاملة لسبعين كتاباً ممتازاً مفيداً للدراسات المعاصرة في السيرة النبوية.

يركز هذا الكتاب على معالجة مؤامرات الأعداء لتشويه صورة الإسلام ونبيه الكريم صلّى الله عليه وسلّم، كما يلقي ضوءا مستفيضاً على ميزات السيرة النبوية. وعلى سبيل المثال نذكر مقالة من هذا الكتاب وهي بعنوان : “أسوة كاملة خالدة للإنسانية”، ناقش فيها ميزة من ميزات شريعة الأمة المسلمة من بين الأمم والشرائع الأخرى فهي خلود الرسالة المحمدية وكمالها. لقد تحدّث المؤلف بإسهاب على هذا الموضوع، وعرض دلائل مقنعة من القرآن والسنة في هذا المجال كما قدّم اعتراف عالمين من مفكّري الغرب بهذا الجانب وهما: المفكر الفرنسي “لامرتين”، و”مايكل هارت”. ويحسن بنا أن نقدّم ما قاله مايكل هارت في كتابه “مائة رجل من التاريخ” في تفضيل نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم على الآخرين: “إنّ اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستوين: الديني والدنيوي”[6]. قدّم المؤلف في هذه المقالة مآثر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نقاط تالية:

  • عقيدة التوحيد النقية الواضحة.
  • مبدأ الوحدة الإنسانية والمساواة البشرية.
  • إعلان كرامة الإنسان وسموه.
  • ردّ الاعتبار إلى المرأة ومنحها حقوقها وحظوظها.
  • محاربة اليأس والتشاؤم، وبعث الأمل والرجاء والثقة والاعتزاز في نفس الإنسان.
  • الجمع بين الدين والدنيا، وتوحيد الصفوف المتنافرة، والمعسكرات المتحاربة.
  • إيجاد الرباط المقدس الدائم بين الدين والدنيا، وربط مصير أحدهما بالآخر، وتفخيم شأن العلم والحث عليه، وتوجيهه إلى علم هادف نافع موصل إلى الله.
  • استخدام العقل والانتفاع به حتى في القضايا الدينية، والحث على النظر في الأنفس والآفاق.
  • حمل الأمة الإسلامية على قبول مسؤولية الوصاية على العالم والحسبة على الأخلاق والاتجاهات وسلوك الأفراد والأمم، وتحمل مسؤولية القيام بالقسط والشهادة لله، والوحدة العقائدية الحضارية العالمية[7].

قد عرض المؤلف في هذا الكتاب عدة نماذج بشرية من الأدب النبوي، تنمّ عن صفة الرحمة  للبشرية جمعاء. وجاء ذلك بعنوان “جوانب الرحمة والعفو في السيرة النبوية”، وعقب تقديم ذلك أبدى الأستاذ الندوي استغرابه على نمط المؤلفين الغربيين في هذا المجال ويقول: ” إنّه لمفارقة غريبة أن هذه السمة الغالبة لسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم التي تجلّت في حياته كلّها، وتجلّت في حياة من اقتدى به، قد حولها قصداً الكتاب الغربيون الذين ألفوا كتباً في السيرة النبوية، قسوة، واقتنصوا من السيرة وتاريخ الإسلام بعض الوقائع، أو الإجراءات التأديبية لإثبات أنه كان نبي الحرب، أو العنف، وأنّ الإسلام هو دين العنف …. لقد أظهر بعض الكتاب وكان منهم وليم ميور، وواشنجتون إيرفنج، و أ. ج. آربري، والفردجيوم، وجولد تسيهر، و س. م. زويمر، و و. غ. فون جرون باوم، و فيليب حتي، و أ.ج. فينسينك، و لوي ماسينيون، و د. س. مرجيوليوت، وأمثالهم نيتهم عند التأليف في السيرة النبوية أنّ المقصود من التأليف في هذا الموضوع هو قطع صلة المسلمين بذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإزالة قدسيته من النفوس، وصار من طبيعة معظم الكتاب في السيرة النبوية في الغرب أن يبرزوا جانب الغلظة والمؤاخذة والعقاب، ويركزوا عليه، ويعرضوا عن جوانب الرحمة والإحسان والعفو، الغالبة السائدة في حياته صلّى الله عليه وسلّم”[8].

يرى المؤلف أنّ كلّ من يدرس سيرة الرسول الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم بدون عصبية قومية، أو عصبية دينية، لا يصعب عليه أن يكتشف من هذه الدراسة الموضوعية أن السمة الغالبة الجلية لسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسلوكه مع أصحابه، وجوهر تعاليمه وتربيته للناس، هي الرحمة واللين، ولغلبة هذه الصفة وصفه القرآن الكريم برحمة للعالمين وليس برحمة للمسلمين. ولا شك أن أهل العلم من المسلمين قد أغنوا العالم الإسلامي بمؤلفات قيمة في السيرة النبوية في لغات المسلمين. فقد كانت الكتابة في السيرة موضوعاً مفضلا ومحبوباً، وبفضل هذه المؤلفات علق بقلوب المسلمين حب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وانتعشت في قلوبهم روح الفداء له، وظهر هذا العنصر جلياً في العصور المختلفة، وشاهد العالم ذلك. ولكنّ موقف أوربا من الإسلام، لايمكن أن يتغير إلا بمكتبة غنية بكتب السيرة في لغات أهل الغرب، وقد برزت ضآلة كتب السيرة في اللغات الأوربية خلال الآونة الأخيرة. وقد أفادت التقارير الصحفية أن المكتبات الإسلامية في أوربا خلت من كتب السيرة، فواجهت ضغطاً شديداً لسبب نقص كتب السيرة في اللغات الأوربية. وأبرز ذلك تقصير المسلمين في هذا الصدد.

 خاتمة البحث:

عقب دراسة متأنية لمؤلفات أستاذنا الفقيد الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في مجال السيرة النبوية، يتوصّل الدارس إلى نتائج تتلخص في النقاط الآتي ذكرها:

  • قد اهتمّ الأستاذ بإبراز جوانب الرحمة والعفو في السيرة النبوية من عفو عمن ظلم، وعفو عام وأمن بسيط، ونبي المحبة ورسول الرحمة، والعفو عن الأعداء الألداء، والكرم والحلم، والرفق في السلوك مع الخدم وما إلى ذلك.
  • لم يكتف الأستاذ بإبراز جوانب السيرة النبوية المهمة بل استعرض آراء عديد من علماء الغرب المعاندين والأجانب أيضاً في هذا الصدد.
  • ترشد مؤلفاته إلى توجيهات رشيدة في سبيل الاستفادة من السيرة النبوية.
  • أسلوب الأستاذ واضح رشيد الندوي في دراسة السيرة النبوية علمي وموضوعي ولغته عذبة وسهلة.
  • لاشك أن كتبه جهد كبير في هذا المضمار، بجانب تحفة علمية قيمة لكل من يحبّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

لقد عرض المؤلف في كتبه حول السيرة النبوية جوانب لافتة في سيرة الرسول الكريم، ظهرت فيها الرحمة والعفو والكرم، التربية والتعليم، وملامح الأسوة الحسنة، والدلالة إلى طرق الاقتباس من مشكاة نبوته. ويتجلّى من كلّ ذلك حبّ المؤلف، ووفاؤه للرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم. وعن طريق ذلك، أدّى أستاذنا العلامة السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي دوراً هامّاً في مجال التعليم والتربية والصحافة. ويستفيد الدارس من كتاباته الممتعة معلومات غزيرة وإرشادات سديدة. ولقد سعدت بالتلمذ علىالأستاذ الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي زمناً طويلاً[9]، عندما كنت طالباً في جامعة ندوة العلماء وأستفيد منه في الفصل الدراسي وخارجه حتى بعد التخرج في الندوة، ولم تزل تجري الاستفادة منه إلى الآونة الأخيرة. فعرفته عن كثب لا عن كتب ورأيت في شخصيته أستاذاً مخلصاً، ومربّياً جليلاً، ومفكراً داعياً، ومؤلّفاً كبيراً، وصحافياً محنكاً، وأديباً إسلامياً بارعاً. تقبل الله جهوده في سبيل نشر الثقافة الإسلامية والأدب المتزن عن طريق مؤلفاته القيمة ومقالاته الرائعة باللغتين العربية والأوردية، المنشورة في المجلتين “البعث الإسلامي” و”الرائد” وغيرهما. ولا ريب أنّ رحلته إلى دار الآخرة مأساة علمية كبيرة، وبها قد حرمنا مربّياً مخلصاً كريماً ولا نزال نشعر بألم شديد وحزن مديد في الذهن والقلب إلى زمن طويل، كما وقع فراغ هائل في مجال الصحافة العربية الإسلامية بالهند لأنه كان علماً بارزا فيها، وفقدت الأوساط العلمية والأدبية والتربوية علما شامخاً من أعلامها، وعالماً نموذجياً من علمائها الصالحين. تغمّده الله برحمته الواسعة، وأدخله فراديس الجنان.

الهوامش:

  1. أخونا الحبيب محمد واضح رشيد الحسني الندوي، بقلم العلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، مجلة البعث الإسلامي، العدد الأول – المجلد الخامس والستون، ص: 5.
  2. الافتتاحية بقلم الأستاذ الشيخ سعيد الأعظمي الندوي، مجلة البعث الإسلامي، العدد الأول – المجلد الخامس والستون،ص: 8.
  3. الحسني الندوي، محمد واضح رشيد، مختصر الشمائل النبوية، المجمع الإسلامي العلمي ندوة العلماء، بلكنؤ، الطبعة الأولى عام 1426ه/2005م، ص: 11-12.
  4. الحسني الندوي، محمد واضح رشيد، لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي، دارالرشيد بلكنؤ، الطبعة الأولىعام1431ه/2010م، ص: 10-12.
  5. المرجع نفسه، ص: 5-6.
  6. المرجع نفسه، ص: 177-192.
  7. المرجع نفسه، ص: 61.
  8. المرجع نفسه، ص: 62.
  9. المرجع نفسه، ص: 113-114.
  10. هذا عندما كان كاتب هذه المقالة متعلماً في جامعة ندوة العلماء في الفترة ما بين عام1994-2005م.

المصادر والمراجع:

  1. الحسني الندوي، محمد واضح رشيد، مختصر الشمائل النبوية، المجمع الإسلامي العلمي ندوة العلماء، بلكنؤ، الطبعة الأولى عام 1426ه/2005م.
  2. الحسني الندوي، محمد واضح رشيد، لمحات من السيرة النبوية والأدب النبوي، دارالرشيد بلكنؤ، الطبعة الأولى عام1431ه/2010م.
  3. الحسني الندوي، محمد واضح رشيد،محسن انسانيت، ترجمة: محمد وثيق الندوي، داراشيد بلكنؤ، الطبعة الثانية عام1433ه/2012م.

4- مجلة البعث الإسلامي، العدد الأول – المجلد الخامس والستون، مؤسسة الصحافة والنشر، لكنؤ، الهند.

*الباحث في الدكتوراه، قسم اللغة العربية، جامعة دلهي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of